« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ هادي آل راضي
بحث الأصول

47/04/29

بسم الله الرحمن الرحيم

/ قاعدة لا ضرر/الأصول العملية

الموضوع: الأصول العملية/ قاعدة لا ضرر/

 

تتمة الملاحظة على الوجه الأول لتفسير صيغة المفاعلة:

ثانياً: ما قيل من أنَّ المشاركة تتحقق في هذه الأمثلة فلا يصح جعلها نقضاً على القول بأنَّ معنى المفاعلة المشاركة، وذلك لأنَّ النقض إنما يصح إذا كان المبدأ لمثل (خادَعَ) و (قاتَلَ) هو الخداع والقتل لأنه لا مشاركة فيه، وأما إذا لوحظ في المبدأ السعي الى الفعل فإنَّ معنى المشاركة حينئذٍ يكون متحققاً، لأنَّ (قاتَلَ) لا تصدق إلا إذا اشترك الطرفان في السعي الى القتل، وهكذا في باقي الأمثلة، فيصح حينئذٍ ما ذكره علماء النحو والصرف من أنَّ معنى صيغة المفاعلة هو المشاركة.

وهكذا إذا لوحظ في المبدأ التعمد والقصد فلا يصدق باب المفاعلة إلا إذا اشترك الطرفان في تعمد الفعل وقصده، فلا يقال: قاتَلَ زيدٌ عَمْرًا، إذا فُرض أنَّ عَمْرًا كان غافلاً عن الفعل بالمرة، لأنه يصدق حينئذٍ (قَتَلَ) لا (قاتَلَ).

والصحيح ما ذُكر في كلمات بعضهم من أنَّ هذه المعاني ليست معاني للهيئة، بدليل أنها لو كانت معاني لها لوجب أن تَطَّرد في جميع موارد الهيئة مهما اختلفت المادة، لوضوح وحدة المعنى المستفاد من الهيئة، مع أنه ليس مطَّرداً في جميع الهيئات كما في سافَرَ، ضارَبَ، طَالعَ، نَافَقَ، هادَنَ ... ونحو ذلك، وهذا يدل على أنَّ هذه المعاني أي السعي نحو الفعل وتعمده لابد أن تكون ملحوظة في بعض المواد.

إذن هذه المعاني ليست معاني للهيئة في باب المفاعلة بل هي معاني للمادة ولكن لا بمعنى المبدأ الجلي، أي المبدأ الفعلي للمادة من دون اضافة عنصر آخر، كالعلم في العالم، والخداع في المخادعة، والجهل في الجاهل، لوضوح أنَّ المبدأ في هذا المعنى لا يدل على السعي ولا على التعمد ولا غيره من المعاني، وإنما المراد المبدأ الخفي أي معنى المادة ملحوظاً بنحو خاص، كأن يُلحظ في المبدأ القابلية كما في أسماء الآلات كالمفتاح فإنَّ المبدأ الجلي له هو الفتح، لكن يقال أنَّ القابلية ملحوظة فيه، فيكون المبدأ الخفي هو قابلية الفتح لا فعلية الفتح، وهكذا في الحِرَف فإنَّ المبدأ الجلي في النجار مثلاً هو النجارة لكن لوحظ فيه بنحو الحرفة والمهنة فيكون المبدأ هو حرفة النجارة لا فعلية النجارة.

إذن هذه الخصوصيات ليست مستفادة من الهيئة بل من المادة حينما تُطَّعم بمعنى آخر، وحينئذٍ يقال في المقام أنَّ معنى السعي الى الفعل أو تعمد الفعل وقصده في بعض الأمثلة لباب المفاعلة يستند الى المبدأ الخفي لا إلى هيئة باب المفاعلة، فلا يصح جعله معنى لباب المفاعلة، فإذا دلَّ على المشاركة في بعض الأمثلة مثل (قاتَلَ زيدٌ عَمْرًا) فهذه المشاركة ليست معنى للهيئة وإنما هي مستفادة من بعض الأمثلة من المادة بعد تطعيمها بمعنى آخر، والنتيجة هي أنَّ صيغة المفاعلة لا دلالة لها على المشاركة فلا يصح ما ذكره علماء النحو والصرف.

الوجه الثاني: ما اختاره المحقق الأصفهاني من أنَّ هيئة المفاعلة تدل على التعدية واسراء المادة الى الغير مما لا تتعدى إليه بنفسها، فإذا كان الفعل لازماً مثل (جَلَسَ) يصير متعدياً بذهابه الى باب المفاعلة، فإذا قيل (جَالَسَ) صار متعدياً كما في (جالستُ زيداً)، وإذا كان متعدياً مثل (كَتَبَ الحديثَ عن زيد) فإنه إذا ذهب الى باب المفاعلة (كَاتَبَ) فيكون ذلك موجباً الى تعديته الى أمر آخر غير ما كان متعدياً، إليه فتقول: (كاتَبَهُ الحديثَ)، فإنَّ (كَتَبَ) لم يكن يتعدى الى الهاء بنفسه وتعدى إليها في (كَاتَبَ).

والحاصل: كأنَّ المحقق الأصفهاني يرى أنَّ هيئة المفاعلة تقتضي تعدي المادة الى ما لم تكن هيئة المجرد تقتضي تعديها إليه، واستفاد من ذلك معنى (التصدي لإلحاق المعنى بالغير) من هيئة باب المفاعلة.

والكلام يقع في أنَّ هذا التصدي الذي ذكره هل هو نفس السعي الذي ذُكر في الوجه السابق أو لا؟

الظاهر أنه يمكن إرجاعه اليه، ومعه يعود الاشكال، فالضرر إذا تصدى زيد لإلحاقه بالغير أمكن نفيه بفقرة (لا ضرر).

 

logo