« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ هادي آل راضي
بحث الأصول

47/04/28

بسم الله الرحمن الرحيم

/ قاعدة لا ضرر/الأصول العملية

الموضوع: الأصول العملية/ قاعدة لا ضرر/

 

كان الكلام في تحديد الحكم المنفي بالقاعدة في مثالي حق السلطنة بين الشريكين وحق الطلاق، لكن أصل الحق ليس حكماً ضررياً إلا أن صاحب الحق قد يتعسف في تطبيقه فيضر بالآخر، فما هو الحكم المنفي؟

الجواب: المنفي هو نفس الحكم المفروض وجوده في المقام، أي حقي السلطنة الطلاق، فحق السلطنة الذي يسمح للشريك أن يمنع شريكه من التصرف في العين المشتركة وهو الذي يرتفع بهذه القاعدة في صورة التعسف في تطبيقه والاضرار بالغير، وكذا الكلام في حق الطلاق.

وهناك طرح آخر في تفسير مفردة (الضرار) يقول لا يلزم محذور التكرار لأنَّ الضرر مقيد بعدم التعمد والقصد، وأما الضِّرار فمقيد بالتعمد والقصد، وعليه فالضرر مع التعمد والقصد لا يمكنه نفيه إلا بـــ (لا ضرار) ولا يُنفى بــ (لا ضرر) حتى يلزم التكرار.

ولم يدعِ صاحب هذا الطرح أنَّ الضرر مقيد بعدم القصد، نعم ذكر أنَّ الضرار مقيد بالعمد والقصد وأما الضرر فلا لأنه يعني أخذ العدم في مفهوم الضرر، نعم قد يظهر من كلام المحقق النائيني في تقريراته خلاف ذلك، أي أنَّ الضرر مقيد بعدم العمد والقصد، قال:

(فحاصل الفرق بين الضرر والضِّرار أنه لو كان حكم أو فعل يلزم منه الضرر من دون التعمد والاصرار فهو الضرر، وأما إن كان عن قصد الى ورود الضرر وتعمد عليه فهو الضرار) فقد يظهر منه أنه يُقيد الضرر بعد القصد والتعمد.

ولكن ما اهتدينا الى وجه واضح الى أخذ هذا القيد، فإنَّ المسلَّم صدق مفهوم الضرر على الضرر الخالي من التعمد والقصد، لكن دعوى تقييده بذلك بحيث لا يصدق مفهوم الضرر على الضرر المقصود والمتعمد غير واضحة ولا شاهد عليها.

الاعتراض الثالث: ذُكر في التفريق المتقدم أنَّ الحكم تارة يكون ضررياً بنفسه ولا إشكال في شمول الحديث له ونفيه بفقرة (لا ضرر) من قبيل وجوب الوضوء بالماء إذا كان استعماله مضراً، وأخرى لا يكون كذلك وإنما يكون ضررياً في حال التعسف كما تقدم، فسلطنة الانسان على ما يملك ليس ضررياً لكن في بعض الحالات يكون ضررياً وذلك إذا قصد الشريك وتعمد الاضرار بشريكه، فهذا ينفى بــــ (لا ضرار)، والاعتراض يقول: هذا غير تام إذ لا فرق حينئذٍ بين الموردين، فإنَّ وجوب الوضوء بالماء في نفسه ليس ضررياً وإنما يكون كذلك في بعض الأحوال كالمرض، وهذا عين ما ذُكر في حق السلطنة، فلا فرق بينهما.

الاعتراض الرابع: إنَّ هذا التفسير لا يمكن الالتزام به بناءً على إرادة الحرمة التكليفية من الحديث، فإنَّ حرمة الضرر تكليفاً تستلزم أن يكون متعلقها مقصوداً ومراداً، والحال أنه لا يمكن الالتزام بذلك بناءً على الفرق المدعى فإنَّ فرض عدم القصد في الضرر لا ينسجم مع الحرمة التكليفية التي تقتضي القصد.

وبناءً على هذا لا يبقى فرق بين الضرر والضرار فيعود الاشكال، أي إمكان نفي الحكم الضرري في موارد الضرر المقصود والمتعمد بفقرة (لا ضرر) فيلزم التكرار في فقرة (لا ضرار).

ثم إنَّ المعروف بين علماء النحو الصرف أنَّ باب المفاعلة موضوع للمشاركة وفعل الاثنين، بمعنى صدور الفعل من الطرفين، لكنهم لاحظوا أنَّ تتبع موارد الاستعمال لصيغ المفاعلة يشهد بخلاف ذلك، مثل: هاجم زيد عَمرًا، فإنَّ الفعل صدر من طرف الفاعل فقط، ومثل قوله تعالى: ﴿لَا تُضَاۤرَّ وَا‌لِدَةُۢ بِوَلَدِهَا﴾ [البقرة ٢٣٣]، وقوله تعالى: ﴿وَلَا تُضَاۤرُّوهُنَّ لِتُضَیِّقُوا۟ عَلَیۡهِنَّۚ﴾ [الطلاق ٦]، وقوله تعالى: ﴿وَلَا یُضَاۤرَّ كَاتِبࣱ وَلَا شَهِیدࣱۚ﴾ [البقرة ٢٨٢] وقوله تعالى: ﴿وَٱلَّذِینَ ٱتَّخَذُوا۟ مَسۡجِدࣰا ضِرَارࣰا﴾ [التوبة ١٠٧] ففي الجميع لم يصدر الفعل من الطرفين، فإنَّ الضرار والمضارة من صيغ المفاعلة ولا يراد بها معنى المشاركة، بل هيئة المفاعلة في غير مادة الضرر كذلك نحو: شاورَ، جادلَ، سامحَ، راجعَ، شاهدَ..الخ ومن هنا اتجه جماعة ممن أنكر دلالة صيغة المفاعلة على المشاركة الى تفسير الصيغة بوجوه اُخرى، منها:

ما ذهب إليه جماعة منهم السيد الخوئي من أنَّ معناها كون الفاعل بصدد إيجاد الفعل، أو قل السعي الى الفعل، فإذا قلت (قَتَلَ) كان إخباراً عن وقوع الفعل، وأما إذا قلت (قاتَلَ) فهو إخبار عن السعي الى الفعل، وهو لا يستلزم الوقوع وليس فيه دلالة على المشاركة، واستشهدوا على ذلك ببعض، الآيات مثل: ﴿یُخَـٰدِعُونَ ٱللَّهَ وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَمَا یَخۡدَعُونَ إِلَّاۤ أَنفُسَهُمۡ وَمَا یَشۡعُرُونَ﴾ [البقرة ٩] فإنَّ المنافقين بصدد إعمال الخديعة ولكن لا تقع منهم إلا على أنفسهم، وقوله تعالى: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ ٱشۡتَرَىٰ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ أَنفُسَهُمۡ وَأَمۡوَ ا‌لَهُم بِأَنَّ لَهُمُ ٱلۡجَنَّةَۚ یُقَـٰتِلُونَ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ فَیَقۡتُلُونَ وَیُقۡتَلُونَۖ﴾ [التوبة ١١١] فذكر تحقق القتل الفعلي من الجانبين بعد أن ذكر تحقق القتال معطوفاً عليه بالفاء مما يدل على المغايرة بينهما وأنَّ معنى القتال السعي الى القتل دون نفس القتل المذكور بعد ذلك في الآية.

ويلاحظ عليه: بأنه لا يحل اشكال التكرار في الاضرار وذلك لأنَّ صيغ المفاعلة من مادة الضَّر لا يُراد بها مجرد السعي الى الضرر، بل يراد السعي المقارن للضرر وحينئذٍ يعود الاشكال كما كان ويقال أنه يكفي في نفيه فقرة (لا ضرر) ولا يتوقف على (لا ضرار).

 

logo