47/04/27
/ قاعدة لا ضرر/الأصول العملية
الموضوع: الأصول العملية/ قاعدة لا ضرر/
الكلام في مفردة (الضرار)، وفيها من حيث الهيئة احتمالان:
1. مصدر من الثلاثي المجرد على وزن فِعْال، نحو: كَتَبَ كِتْاب، حَسَبَ حِسْاب، قَامَ قِيام، ضَرَّ ضِرار.
2. مصدر من باب المفاعلة، وهو المزيد المأخوذ من الثلاثي المجرد من باب فاعَلَ، نحو: ضَارَّه، يُضارَّه، ضِرار ومُضارَّة.
وعلى أي حال الضِّرار في الحديث لا يخلو من أحد احتمالات:
الأول: أن يكون بمعنى الضرر فقط.
الثاني: أنه بمعنى الضرر مع تضمنه زيادة، إما جانب الشدة والتأكد وإما من جهة التعمد والقصد، بخلاف الضرر الذي لم يؤخذ فيه ذلك.
الثالث: أن يكون بمعنى فعل الاثنين، الصادر من طرفين.
أما الأول فينبغي استبعاده ارادته للزوم التكرار، وهو من قبيل قول القائل: ما رأيت إنساناً ولا بشراً.
وأما الثالث فيلاحظ عليه:
أولاً: إنَّ هذا المعنى معلوم العدم في بعض تطبيقات القاعدة، كما في قضية سمرة بن جندب (إنك رجل مُضَار) لأنَّ الضرر من طرف سمرة فقط.
وثانياً: لزوم التكرار ايضاً، وذلك لأنَّ الضرر إن صدر من الطرف الأول فيكون مشمولاً لفقرة (لا ضرر)، وكذا إذا صدر من الطرف الثاني، فتكرار (لا ضرار) يكون مستهجناً، أو قل لا يُحتمل اختصاص (لا ضرار) بخصوص الضرر الصادر من أحدهما.
وأما الاحتمال الثاني - أي الضرر الشديد - فمستبعد للزوم التكرار أيضاً، لأنَّ فقرة (لا ضرر) كما تنفي الضرر الذي لا يتصف بالشدة كذلك تنفي الضرر الذي يتصف بها، فلا داعي لنفيه بـــ (لا ضرار).
ومن هنا قد يقال: يتعين أن يكون الضِّرار وهو الضرر الذي أُخذ فيه القصد والتعمد، وتوضيحه:
أنَّ الحكم إذا كان ضررياً بنفسه فلا شك في أنه مشمول بالحديث، ويدل حينئذٍ على نفي هذا الحكم الضرري، فوجوب الوضوء يكون حكماً ضررياً إذا كان استعمال الماء ضررياً، فيُنفى هذا الوجوب بــ (لا ضرر)، وأما إذا لم يكن الحكم بنفسه ضررياً لكن يحصل في بعض الحالات التعسف عند تطبيقه كحق السلطنة الثابت للشريكين إذا تعسف أحدهما في تطبيقه بأن لم يأذن لشريكه بأي نحو من أنحاء التصرف في العين المشتركة، فحينئذٍ يلزم من هذا الحكم الضرر مع القصد والتعمد، فيُعبر عن هذا النحو بالضرار.
ومن هذا القبيل أيضاً حكم الشارع بأنَّ الطلاق بيد الزوج، فهو في حد نفسه ليس ضررياً، لكن قد يتعسف الزوج في تطبيقه أحياناً، فيمتنع عن القيام بالحقوق الزوجية ويمتنع عن الطلاق تعسفاً بقصد انزال الضرر بالزوجة، خلافاً لقوله تعالى: ﴿فَإِمۡسَاكُۢ بِمَعۡرُوفٍ أَوۡ تَسۡرِیحُۢ بِإِحۡسَـٰنࣲۗ﴾[1] فيكون مُضاراً، ففي مثل ذلك يُنفى هذا الحكم بفقرة (لا ضرار) بناءً على أنَّ المراد بها تعمد الضرر باتخاذ الحكم الشرعي وسيلة للإضرار بالغير، وعليه لا يلزم محذور التكرار بينما يلزم ذلك على باقي الاحتمالات.
ويلاحظ عليه:
أولاً: كيف يمكن اثبات الظهور اللغوي لهذه الكلمة بمجرد عدم لزوم محذورٍ من ارادته ولزوم محذور من إرادة معنى آخر!
قد يقال: ليس المراد تعيين الظهور بالنحو المذكور بمجرده وإنما يرجع ذلك الى الاستظهار، بتقريب أنَّ المعاني الأخرى يلزم منها محذور فلا يمكن المصير إليها، بينما لا يلزم من هذا المعنى أي محذور فتكون هذه الفقرة ظاهرة فيه.
وجوابه: إنَّ هذا التقريب غير واضح، فقد يكون هناك معنى آخر لا يلزم منه محذور غير هذا الوجه إلا أننا لم نهتدِ إليه.
وبعبارة أخرى: الاستظهار المذكور أشبه بالاستدلال ببرهان السبر والتقسيم مع عدم حصر الأقسام فيكون ناقصاً، ولا يتعين الظهور بمثل هذا البيان.
وثانياً: إنَّ هذا المعنى المقترح لا يُراد به مجرد تعمد الضرر وقصده، بل لابد من اضافة تحقق الضرر في الخارج، إذن لابد أن يُراد بالضرار نفس الضرر لكن مع تعمده وقصده، في مقابل الضرر من دون تعمد وقصد، وعليه فالضِّرار هو الضرر الذي يلحق الانسان مع تعمد له، وحينئذٍ نقول بأنَّ هذا الضرر أيضاً منفي بفقرة (لا ضرر) ويلزم التكرار في قوله (ولا ضرار) إذ لا فرق بينه وبين الضرر غير المقصود من حيث كون كل منهما ضرراً منفياً بفقرة (لا ضرر).
والحاصل إنَّ الزوج بامتناعه عن الطلاق وعن القيام بواجباته الزوجية، وكذا الشريك بامتناعه عن الإذن بالتصرف لشريكه في الأمثلة السابقة، يُلحق ضرراً بالزوجة والشريك، فهو ضرر يلحق الغير مع العمد والاصرار، فأي فرق بينه وبين الضرر اللاحق بالغير مع عدم التعمد في إمكان نفيه بفقرة (لا ضرر) ومعه لا تترتب أي فائدة على فقرة (لا ضرار)؟!
قد يقال: ما هو الحكم المنفي بالقاعدة في هذه الأمثلة، وذلك لأنَّ المفروض أنَّ الحكم الموجود ليس ضررياً في نفسه، ولا يوجد حكم آخر يلزم منه الضرر حتى يقال أنه يُنفى بقاعدة لا ضرر؟
وجوابه: الحكم الذي يُنفى هو نفس هذا الحكم الموجود، ولكن في حالات معينة، كالتعسف في تطبيقه، أما في مثال الشريكين فالمنفي هو نفس الحكم المفروض وجوده - أي السلطنة - لأنها بالنحو الذي تسمح للمالك بأن لا يأذن لشريكه بأي نحو من أنحاء التصرف والانتفاع بالعين المشتركة فهذا يكون ضررياً فيكون هو المنفي، وكذا في مثال الطلاق فالمنفي هو الحكم المفروض وجوده، أي حق الزوج بالطلاق وأنه بيده، فإنَّ هذا الحق وإن لم يكن ضررياً في حد نفسه إلا أنه في بعض الحالات الخاصة يكون ضررياً، فجعل الطلاق بيد الزوج بالنحو الذي يسمح له بالامتناع عن الطلاق مع فرض امتناعه عن القيام بالواجبات الزوجية يُعتبر ضررياً فيكون هو المنفي.