47/04/26
/ قاعدة لا ضرر/الأصول العملية
الموضوع: الأصول العملية/ قاعدة لا ضرر/
قلنا أنَّ التقابل ليس بين الضرر والنفع وإنما بين الضرر والمنفعة، لأنَّ الضرر لا يقابل النفع وإنما يقابل المنفعة باعتبار أنَّ كلاً منهما إسم مصدر، والذي يقابل النفع هو الضَّر.
وقلنا أنَّ صاحب الكفاية التزم بتقابل الملكة والعدم، بينما التزم السيد الخوئي بتقابل الضدين، ولعل مختار المحقق الخراساني كان بلحاظ صدق الضرر على عدم المنفعة، فيكون التقابل بين الوجود والعدم، الوجود هو المنفعة والعدم هو عدم المنفعة وهو الضرر، بينما كان نظر السيد الخوئي الى صدق الضرر على النقص وهو وجودي، فيكون التقابل بين المنفعة والضرر من تقابل الضدين.
وأورد المحقق الأصفهاني على صاحب الكفاية بأنَّ الضرر عبارة عن انتفاء ما يكون للشيء من الفائدة والكمال، فهو عدم لهذا المقدار من الفائدة والكمال، وأما المنفعة فهي عبارة عن تحقق زيادة على هذا المقدار من الفائدة والكمال الثابت، فالضرر ليس عدماً لهذه الزيادة حتى يكون التقابل بينهما تقابل الملكة والعدم.
وتوضيحه: يعتبر في تقابل الملكة والعدم أن يكون العدم عدماً لتلك الملكة لا لشيء آخر، والمنفعة وهي الملكة وهي زيادة في الفائدة والكمال، لكن العدم نقصان في الشيء عن حالته الطبيعية وليس نقصاناً للزيادة فيه.
وبعبارة أخرى: إنَّ الضرر وإن كان أمراً عدمياً إلا أنه ليس عدماً للمنفعة بمعنى الزيادة في الكمال والفائدة حتى يكون تقابلهما تقابل الملكة والعدم، بل هو عدم تلك المرتبة من الكمال المفروض وجودها قبل الزيادة، فلا يكون عدماً للملكة.
والظاهر أنَّ مراد المحقق الخراساني هو أنَّ الضرر لا يصدق إلا مع افتراض قابلية المورد للأمر الوجودي، فإذا نقص مال الانسان مثلاً صدق الضرر، لأنَّ المال إذا زاد صدقت المنفعة، وإما إذا فرضنا عدم صدق المنفعة على الزيادة فلا يكون النقص حينئذٍ ضرراً، فالضرر وإن لم يكن عبارة عن عدم المنفعة إلا أنه لا يصدق إلا مع قابلية المورد لأن يتصف بأنه ذو منفعة.
لكن الظاهر أنَّ هذا الكلام غير تام، وذلك باعتبار أنَّ الضرر يصدق حتى مع عدم قابلية المورد للمنفعة كما في الاضرار الصحية، فإنَّ النقص في الحالة الاعتيادية للإنسان يكون ضرراً، لكن الزيادة ليست منفعة.
ثم المعتبر في صدق الضرر قابلية المورد لتلك الدرجة من الكمال والفائدة الموجودة في الحالة الاعتيادية له، بمعنى كون المورد في حالة عدم الزيادة وعدم النقص مما له فائدة معينة ودرجة من الكمال معينة، ويكون الضرر بلحاظ النقص عن هذه الدرجة، والمنفعة بلحاظ الزيادة عليها، وعليه لا يصدق الضرر على النقيصة ولا المنفعة على الزيادة في مثال التراب مثلاً، نعم يصدقان في مثال المال.
ويظهر مما تقدم أنَّ الصحيح كون التقابل بينهما هو تقابل الضدين لا الملكة والعدم، لأنه يعتبر فيه أن يكون العدم عدماً للملكة كالعمى فإنه عدم للبصر وليس عدماً لشيء آخر، وفي المقام المنفعة إذا كانت عبارة عن الزيادة عن ذلك المقدار من الفائدة فالضرر ليس عدماً لهذه الزيادة لأنَّ عدمها يُرجع الشيء الى حالته الاعتيادية، وهو ليس ضرراً، وإنما هو عدم لتلك الفائدة المفروض وجودها في الحالة الاعتيادية قبل الزيادة، فهو ليس عدماً للزيادة التي هي المنفعة فلا يكون عدمه عدم ملكة حتى يكون التقابل بينهما تقابل الملكة والعدم.
فالصحيح أنهما متضادان، بمعنى أنَّ المنفعة عبارة عن الزيادة في هذا المقدار المفروض وجوده في الشيء في حالته الاعتيادية، والضرر عبارة عن النقيصة في الشيء عن حالته الاعتيادية، فهما أمران وجوديان، فالتقابل بينهما هو تقابل الضدين.
الأمر الثاني في مفاد الهيئة الإفرادية لكلمتي الضرر والضرار:
أما الضرر فهو بهيئته إسم مصدر، أي أنه معنى إسمي لا مصدر، والفرق بين المصدر واسم المصدر يُبين بنحوين:
الأول: أنَّ المصدر هو نفس الفعل الصادر من الفاعل، واسم المصدر عبارة عن الحاصل من المعنى المصدري، وعلى هذا الاساس فرقوا بين الاغتسال وبين الغَسْل، وبين التوضؤ وبين الوضوء، وبين النفع وبين المنفعة.
الثاني: أنَّ المصدر يتضمن نسبة تقييدية ناقصة كالنسبة التوصيفية، واسم المصدر هو نفس المعنى من دون نسبة تقترن به، نظير الايجاد والوجود، فالإيجاد لوحظ في معناه نسبة ناقصة، بينما الوجود هو نفس المعنى من دون نسبة.
لكن الثاني ليس فرقاً أساسياً ويمكن ارجاعه الى الأول، وذلك باعتبار أنَّ المصدر بحسب المعنى الثاني يدل على المعنى الملحوظ فيه نسبة، وبحسب البيان الأول عبارة عن المعنى الصادر من الفاعل وهذه نسبة أيضاً، كما أنَّ اسم المصدر يدل على نفس المعنى من دون نسبة على الأول، وعلى الثاني هو حاصل المعنى المصدري، ومن الواضح أنه هو نفس المعنى من دون نسبة، وإلا لكان هو المصدر.
وعلى كل حال فالظاهر أنَّ الضرر اسم مصدر من الضَّر، لأنَّ المفهوم منه عرفاً هو نفس المعنى أي النقص من دون نسبة، أي حاصل المعنى المصدري ونتيجته.