« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ هادي آل راضي
بحث الأصول

47/04/25

بسم الله الرحمن الرحيم

/ قاعدة لا ضرر/الأصول العملية

الموضوع: الأصول العملية / قاعدة لا ضرر/

 

هل يصدق الضرر على عدم النفع؟

تقدم احتمال صدق الضرر على عدم النفع لكن مع احتمال وجود مقتضي النفع والربح، في مقابل عدم وجود المقتضي فلا يصدق الضرر على عدم النفع والربح، فيُفرق بين الحالتين.

ثم في صورة وجود المقتضي للربح هل يستند عدم الربح الى الوجود المانع المزاحم أو لا يستند إليه؟

الظاهر أنه لا فرق بين وجود المزاحم وبين عدم وجوده، لأنَّ المفروض تمامية المقتضي وهو يعني تحقق الربح لولا المانع، فإذا كان هذا كافياً في صدق الضرر على عدم الربح مع المزاحمة فهو أيضاً يكون كافياً في صدق الضرر على عدم الربح مع عدم المزاحمة، وذلك لأنَّ وجود المانع يكون هو السبب في تفويت النفع.

فالصحيح في المقتضي أنَّ وجود المقتضي للربح لا يكفي في صدق الضرر على عدمه، فلا ضرر في هذه الموارد وإنما الموجود هو عدم النفع وعدم الربح، وبناءً عليه فالكلام يقع في شمول حديث (لا ضرر) لعدم النفع في حالة وجود مقتضيه مع وجود المزاحم وعدم شموله، وليس الكلام في صدق الضرر وعدم صدقه.

والصحيح هو عدم إمكان الالتزام بالشمول لأنَّ ذلك يستلزم تأسيس فقه جديد، سواءً فسَّرنا الحديث بالحرمة التكليفية، أو بنفي الحكم الضرري، أو بنفي الموضوع الضرري، فإنه على جميع التقادير لا يمكن الالتزام بمنع شخص من أن يفتح دكاناً أو يجري معاملة لمجرد أنَّ ذلك يوجب عدم حصول الربح لصاحب دكان آخر، وعليه نقول إذا قال التاجر ضرَّني فلان فهو تجوز ومسامحة.

نعم هناك حالات من عدم النفع قيل أنه يصدق فيها الضرر فيجري فيها الحديث، وهي:

الأولى: الأموال العامة أو المشتركات التي يثبت فيها حق الاستفادة للجميع، فإنَّ الظاهر صدق الضرر على منع الغير من الانتفاع بها بسبب الاحتكار ونحوه، ويتأكد فيما لو كان الأمر المشترك يصل الى الغير بحسب طبعه الأولي ثم يمنع من وصوله شخص آخر، كالماء الذي يصل الى أرض زيد فيمنع منه عمرو بتحويل مجراه، فالضرر هنا واضح ويكون الحديث شاملاً له، وقد تقدم تطبيق القاعدة في الأحاديث على منع فضل الماء.

الثانية: حالة تخلف الشروط الضمنية، أو الشروط المصرَّح بها في العقد في المعاملات، فإنَّ تخلفه يُثبت الخيار للشارط، كما لو اشترط الزوج أن تكون الزوجة علوية فبان العدم، فهنا لم يحصل النقص بسبب تخلف الشرط وإنما يحصل بلحاظ الغرض المعاملي وبالإضافة الى الزوج، وهذا ليس نقصاً وإنما هو عدم حصول ما يريده الزوج، فهو عدم فائدة وعدم نفع وليس ضرراً، لكنهم تمسكوا بالقاعدة لإثبات الخيار للزوج لأنه يعتبر ضرراً عليه عرفاً.

ثم إنَّ صدق الضرر على النقص في المال والبدن والنفس واضح، إلا أنهم عطفوا عليها النقص في العِرض، ومثاله نظر الأجنبي الى عِرض شخص آخر، فهل يُعد هذا نقصاً عليه بحيث يصدق عليه الضرر أو لا؟

قال بعضهم إنَّ تجويز الدخول لسمرة بن جندب يستلزم النظر الى عِرض الأنصاري، وهو ضرر فيرتفع الجواز، لذا مُنع من الدخول، مع أنَّ النقص غير واضح.

ومن هنا قد يقال بأنَّ الضرر لا يصدق إلا مع نقص المال أو النفس أو البدن دون العرض، نعم نظر الأجنبي الى عِرض الآخر يدل على عدم مراعاةٍ لكرامة الغير وشرفه، فيكون من قبيل التصرف في مال الغير بدون إذنه، لكن مع عدم إحداث نقص فيه، كما لو قرأ في كتاب الغير فإنه لا يقال أنه أضرَّ بمال الغير لأنه لم يُحدث فيه نقصاً وإنما هو لم يراعِ حق الغير في ماله، والنظر الى عِرض الغير من هذا القبيل، فهل يصدق الضرر والنقص على مجرد عدم مراعاة حق الانسان في عرضه وشرفه بالنظر إليه أو لا؟

الجواب: الظاهر عدم الصدق، وذلك لعدم حدوث نقص في العِرض أو الكرامة، وإن كان ذلك محرماً بلا إشكال، نعم إذا فُرض الاعتداء على العِرض بغير النظر من الأفعال مع إعلانها واشتهارها فلا يبعد صدق الضرر والنقص في العِرض والشرف، فلا يكون من باب عدم المراعاة ولا يبعد صدق الضرر، ولذا لا يرضى العرب أن يُشبِّب الشاعر بنسائهم، ويستنكرون ذلك، بل يعاقبونه ويعتبرونه نقصاً في شرفهم وكرامتهم، ولعل ذكر العِرض في بعض الكلمات وعطفه على المال والنفس والبدن لأجل هذه النكتة.

التقابل بين النفع والضرر:

هل التقابل بين النفع والضرر من تقابل الضدين أو من تقابل الملكة والعدم؟

ذهب صاحب الكفاية الى الثاني وذلك لأنَّ النفع هو الزيادة فيكون الضرر هو عدم الزيادة فيما من شأنه أن تكون فيه زيادة، وذهب السيد الخوئي الى أنَّ التقابل بينهما هو تقابل الضدين.

ويلاحظ عليه: بأنَّ الضرر لا يقابل النفع، لأنَّ الضرر أسم مصدر يحصل من المصدر أي الضَّر، ويقابله المنفعة التي تحصل من المصدر أي النفع، فالمقابل للنفع هو الضَّر لا الضرر، كما في قوله تعالى: ﴿ وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا﴾[1] فالضَّر مصدر يقابله النفع، والضرر إسم مصدر يقابله المنفعة، فلابد من بحث التقابل بين الضرر والمنفعة وهل هو من تقابل الضدين أو من تقابل الملكة والعدم؟


logo