47/04/22
/ قاعدة لا ضرر/الأصول العملية
الموضوع: الأصول العملية/ قاعدة لا ضرر/
المقام الثالث في معنى مفردات القاعدة ومعنى الهيئة التركيبية لها.
أما المفردات فهي عبارة عن (الضرر) و (الضِّرار) والكلام تارة يقع في المادة أي (ض، ر) وأخرى يقع في الهيئة الإفرادية للضرر والضرار، وثالثة يقع الكلام في الهيئة التركيبية لمجموع الضرر والضرار، فالكلام يقع في أمور ثلاثة.
أما الأمر الأول فذكر اللغويون معانٍ كثيرة له مثل النقص، وسوء الحال، والضيق، والشدة، والحرج، ففي العين الضَّرَرُ: النُّقصان يدخُلُ في الشيء، تقول: دَخَلَ عليه ضَرَرٌ في ماله.
وفي الصحاح الضَّر خلاف النفع، والضُّر الهزال وسوء الحال.
وفي لسان العرب الضَّر والضُّر لغتان ضد النفع، والضَّر المصدر، والضُّر الاسم - أي إسم المصدر- ثم نقل عن بعض اللغوين قوله الضَّر ضد النفع، والضُّر الهزال وسوء الحال، ولعله يقصد ما تقدم، فكل ما كان من سوء حال وفقر وشدة في بدن فهو ضُر، ما كان ضداً للنفع فهو ضَر.
وقد تُذكر له معان أُخرى مثل العمى والمرض وغيرهما، ويبدو أنَّ أغلب هذه المعاني هي مصاديق للمعنين السابقين، فمن ذلك تفسيره بالحرج، أو الضيق، أو سوء الحال فيمكن إرجاعها الى النقص، والسؤال هنا ما هو معنى المادة؟
هناك رأيان:
الرأي الأول: إنَّ المعنى الأصلي هو النقص، أي نقص الشيء عما ينبغي أن يكون عليه، سواءً كان في المال أو كان في حال الإنسان ووضعه العام، أو كان في عضو من أعضائه، أو كان في الحقوق بعدم مراعاة حق منها، فيكون مشتركاً معنوياً.
الرأي الثاني: إنَّ هذه المعاني كلها موضوع لها، ولا أقل من النقص والشدة، فالوضع متعدد ويكون مشتركاً لفظياً، فالمادة موضوعة للنقص، وكذا موضوعة للشدة وسوء الحال والضيق النفسي.
وقد يقال إنَّ المناسب للجمع بين الرأيين السابقين أن يقال بأنَّ الضرر يحصل من النقص لكن لا مطلقاً وإنما عندما يكون موجباً للشدة والضيق، فالنقص وحده لا يصدق عليه الضرر كما في ضياع دينار من ثري، فهو نقص إلا أنه لا يوجب له الضيق فلا يكون ضرراً، كما أنَّ مجرد الضيق من دون نقص لا يصدق عليه الضرر، وعليه فالضرر هو النقص الموجب لحصول الشدة والضيق، لكن ليس المقصود من ذلك هو حصول الشدة والضيق بالفعل، بل ما كان من شأنها أن تكون كذلك، ويُمثل له بمن احترق داره وهو لا يعلم فهو لا يوجب له الضيق فعلاً.
وعليه فالضرر يصدق إذا تحقق أمران: الأول النقص في المال أو في النفس أو في العرض أو الحقوق، الثاني حصول الضيق ولو شأناً.
ويقابله النفع فلا يصدق إلا إذا عند تحقق أمرين: الزيادة، وأن يكون موجباً لحصول الانبساط والراحة ونحوها.
ثم إنَّ الضرر قد يكون مطلقاً كاحتراق الدار، وقد يكون إضافياً كعدم الربح في التجارة، فإنه ضرر على زيد التاجر، ولكنه ليس ضرراً عليه بما هو، بل يكون ضرراً عليه بما هو تاجر له غرض تجاري، فإنَّ عدم النفع يُعد ضرراً بالإضافة إليه.
قالوا: حديث (لا ضرر) لا يشمل الضرر الاضافي، والظاهر إنَّ عدم الشمول من جهة عدم صدق الضرر على عدم النفع والربح، وذلك لما عرفت من أنَّ عدم النفع ليس ضرراً حقيقة لأنه ليس نقصاً وإنما هو ضرر إضافي يُراعى فيه حال الشخص وغرضه من المعاملة التي لم يربح فيها فإذا لم يحصل عليه كان ضرراً تجوزاً.
قد يقال: إنَّ عدم النفع وعدم الربح تارة يفرض مع كون الربح في معرض الوصول بأن يكون مقتضي الربح موجوداً وتاماً، وأخرى يُفرض عدم الربح مع عدم تمامية المقتضي، ففي الأول يصدق الضرر فالتاجر إذا أجرى معاملات تجارية وهيأ تمام المقدمات ولكن منع من حصول الربح مانع، فيصح أن يقال بتحقق الضرر ويصح له أن يقول أني تضررتُ بسبب كذا، وأما في الثاني فالظاهر عدم صدق الضرر، فالتاجر إذا لم يجر أي معاملة في يومه أو في شهره فلا يصح له أن يقول أني تضررتُ بعدم الربح، لعدم وجود مقتضي الربح حتى يصدق على عدمه الضرر، وعليه يكفي في صدق الضرر عدم النفع لكن مع وجود المقتضي.
وهل يعتبر في صدق الضرر على عدم النفع مع وجود المقتضي المزاحمة، بأن يمنع المانع من تأثير المقتضي، بحيث لولا المزاحم لكان الربح متحققاً، بل فرض تحقق الربح هو النكتة في صدق الضرر على عدم النفع باعتبار أنَّ المزاحم والمانع أوجب فوات هذا النفع المفروض تحققه، وهذا في قبال عدم وجود المزاحمة بأن لم يحصل على الربح نتيجة عارض سماوي أو هبوط الاسعار، فلا يصدق عليه الضرر.