47/04/18
/ قاعدة لا ضرر/الأصول العملية
الموضوع: الأصول العملية/ قاعدة لا ضرر/
المقدمة الثانية التي تُفهم من كلام شيخ الشريعة قده لإثبات مدعاه:
أنَّ عقبة بن خالد رُويت عنه أقضية عن النبي (ص) وهي موزعة على الأبواب في المجاميع الحديثية، لكن هذا التوزيع ليس من جهة تعدد الروايات، بل لأنه سمع كل هذه الأقضية من الامام الصادق (ع) في وقت واحد، ونقلها في رواية واحدة، ثم قطعها أصحاب الكتب بحسب الأبواب وألحقوا كل قضاء بالباب المناسب لها.
والظاهر أنَّ وجه الحاجة الى هذه المقدمة هو أنها لو لم تتم – بأن كان السماع متعدداً – لكان ظهور رواية عقبة بن خالد في الارتباط قوياً، لأنه ذكر القاعدة في ذيل حديثي الشفعة ومنع فضل الماء، وهو ظاهر في كونه ذيلاً لهما ومرتبطاً بهما، والذي يُضعف هذا الظهور هو افراض كون الناقل في مقام جمع المتفرقات، وأنَّ جمعه بين الروايات من باب الجمع في الرواية.
واستدل على هذه المقدمة:
أولاً: بوحدة الراوي عن عقبة وهو محمد بن عبد الله بن هلال، بل وحدة الراوي عن محمد بن عبد الله، وهو محمد بن الحسين في جميع هذه الروايات، فيُستبعد أن تكون روايات متعددة لقضية اتحدت رواتها صدفة.
وثانياً: بأنَّ الأقضية المتعددة المجتمعة في رواية واحدة لعُبادة بن الصامت كيف توزعت في أخبارنا؟
فإما أن تكون لأجل أنها صدرت من النبي (ص) مرتين، مرة مجتمعة وقد رواها عبادة، وأخرى متفرقة وقد رواها الصادق (ع)، وإما أن تكون من جهة تقطيع نفس الامام (ع) لها أو الرواة أو تقطيع أصحاب الجوامع الحديثية، والأولان مستبعدان فيتيعن الثالث.
ويلاحظ عليه:
الظاهر بأنَّ هذه الأقضية لم تكن في رواية واحدة صادرة عن النبي (ص) في مجلس ونقلها عبادة، بل الظاهر أنها روايات متعددة لأقضية متعددة في مناسبات ومجالس متعددة، جمعها عبادة في رواية واحدة من باب الجمع بين المتفرقات، بجامع كونها أقضية له (ص)، والامام (ع) ليس ملزماً بسلوك طريقة عبادة، فلعله نقلها متفرقة ورواها عنه عقبة متفرقة في روايات متعددة، فلا يكون هناك تقطيع لأنه فرع كون الرواية واحدة.
المقدمة الثالثة: إنَّ الاختلاف في الأقضية بين ما ينقله عبادة والأقضية التي ينقلها عقبة يسير جداً، بل لا اختلاف بينهما عدا الاختلاف في كون نفي الضرر قضاءً مستقلاً في نقل عبادة، وكونه مذكوراً ذيلاً لقضاء آخر في نقل عقبة بن خالد.
أقول: كأنه أراد بذلك إثبات أنَّ عبادة متقن في نقله، باعتبار أنَّ الاختلاف لو كان كبيراً وكثيراً لأخل بإتقانه.
والحاصل أنه أراد بهذه المقدمات إثبات الوثوق بنقل عبادة أولاً، وأنَّ هذه الأقضية المتعددة هي من باب الجمع بين المتفرقات حتى في رواية عقبة، فإنه جمع في روايته بين المتفرقات وإن وزعها الأصحاب على أبواب متعددة ثانياً، وإذا ثبت أنَّ رواية عقبة واحدة وأنه جمع فيها بين المتفرقات فيضعف ظهورها حينئذٍ في الذيلية والتعليل، فلا تعارض رواية عبادة.
والنتيجة: أنه يدعي أنَّ رواية عبادة ظاهرة في أنَّ حديث (لا ضرر) قضاء مستقل غير مرتبط بحديث الشفعة وحديث منع فضل الماء، كما أنَّ رواية عقبة بن خالد ظاهرة في خلاف ذلك -أي في الارتباط والتعليل للحديثين - وأنه لابد من توجيه رواية عقبة بما يوافق رواية عبادة فيرفع اليد عن ظهور رواية عقبة في التعليل والارتباط، وحينئذٍ يثبت ما ادعاه من أنَّ رواية (لا ضرر ولا ضرار) يراد بها الحكم التكليفي لا نفي الحكم الضرري كما يقول المشهور.
ويلاحظ عليه:
أولاً: إنَّ حديث لا ضرر ذُكر في رواية عقبة مرتين، مرة بعد حديث الشفعة، وأخرى بعد حديث منع فضل الماء، ومن الصعب جداً تفسير ذلك بما يدعيه من أنَّ حديث (لا ضرر) قضاء مستقل رواية عقبة، إذ لا معنى لتكرار قضاء واحد في مجموعة واحدة من الأقضية! إذن تكرار (لا ضرر) دليل على ارتباطه بالحديثين، ولو كان قضاءً مستقلاً لأقتُصر على ذكره مرة واحدة كسائر الأقضية.
ثانياً: إن حديث (لا ضرر) وقع في رواية عقبة بن خالد وسطاً بين القضاء بالشفعة وبين بيان قيده في قوله: (قَضَى رَسُولُ اللَّهِ (ص) بِالشُّفْعَةِ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ فِي الْأَرَضِينَ وَالْمَسَاكِنِ وَقَالَ: لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ، وَقَالَ إِذَا رُفَّتِ الْأُرَفُ وَحُدَّتِ الْحُدُودُ فَلَا شُفْعَةَ)[1] ، ولا وجه لهذا التوسط إذا كان (لا ضرر) حديثاً مستقلاً.
ثم أنه تقدم استدلاله على مدعاه بعدم صحة التطبيق على الموردين.
ويلاحظ عليه: أما بالنسبة الى الشفعة فيرد على الدليل الأول لمنع انطباق القاعدة – وهو أنَّ النسبة بينهما هي العموم والخصوص من وجه – بأنه غير تام فإنَّ الظاهر هو أنَّ النسبة بينهما هي العموم المطلق، فكل ما ثبت فيه حق الشفعة ففيه ضرر، وليس كل ما فيه ضرر يثبت فيه حق الشفعة، والوجه في ذلك أنَّ المراد بالضرر في المقام هو الضرر الحاصل من نفس الشركة لا الضرر الصادر من الشريك حتى يقال بأنَّ حق الشفعة قد ثبتت في مورد لا يكون فيه ضرر، ومن الواضح أنَّ هذا الضرر موجود في جميع الموارد حتى إذا فُرض كون البائع مسيئاً والمشتري محسناً، فيكون ضرراً نوعياً ناشئاً من نفس الشركة، بخلاف ما ادعاه فإنه يكون ضرراً شخصياً لا غير.