47/04/15
/ قاعدة لا ضرر/الأصول العملية
الموضوع: الأصول العملية/ قاعدة لا ضرر/
كان الكلام في دعوى شيخ الشريعة قده عدم وجود ارتباط بين قاعدة لا ضرر وبين موردي الشفعة ومنع فضل الماء، وذلك بعد استظهاره أنَّ القاعدة ناظرة الى الحكم التكليفي، فلا تنطبق على الموردين، أما عدم انطباقها على الشفعة فلأمرين تقدم الأول منهما، وأما الثاني فهو:
أنَّ مفاد القاعدة كما قيل هو نفي الحكم الضرري ولو بلسان نفي الموضوع، وعليه نقول إنَّ سبب الضرر إما هو جواز البيع وضعاً أو لزومه، وعلى كلا التقديرين لا نصل الى النتيجة المطلوبة في باب الشفعة، وذلك لأنَّ نفي الحكم يعني نفي الجواز وهو ينتج البطلان، ولا يعني ثبوت حق للشريك في تملك الحصة المشاعة بالثمن المسمى، وإذا فرض كون الضرر ناشئاً من لزوم البيع لزم الحكم بثبوت الخيار برد المبيع الى البائع ورد الثمن الى المشتري، وإما جعل حق الشفعة وجبران الضرر وتداركه بأن يتملك الشريك بالثمن المسمى في البيع فهذا مما لا يثبت بتطبيق القاعدة على هذا المورد.
وكذلك لا يمكن تطبيقها على منع فضل منع الماء لأمرين:
الأول: من الواضح أنَّ منع المالك غيره عن الانتفاع بماله لا يُعد ضرراً بالنسبة الى الغير.
الثاني: أنَّ النهي من منع فضل الماء نهي تنزيهي ولا يمكن أن يكون تحريمياً، لوضوح أنَّ منع الغير من الانتفاع مما يملكه ليس حراماً، وعليه لا يندرج تحت هذه القاعدة، لأنَّ مقتضى اندراجه تحتها هو الالتزام بحرمة منع فضل الماء، وذلك باعتبار أنَّ الضرر إنما يترتب على الجواز بالمعنى الأعم، ورفعه يستلزم ثبوت حرمة منع فضل الماء، وهذا ما لا يمكن الالتزام به، نعم لو ترتب الاضرار بالغير على جواز منع فضل الماء بالمعنى الأخص – أي الاباحة – فهو لا يلازم ثبوت الحرمة لكنه لا يكون سبباً في الاضرار بالغير، فيتعين الحمل على الجواز بالمعنى الأعم كما تقدم.
هذا واستدل على ما ذكره بما حاصله:
إنَّ الأقضية المنقولة عن النبي (ص) مروية في كتب العامة عن عبادة بن الصامت، ومن جملتها (لا ضرر ولا ضرار) والشفعة، ومنع فضل الماء، وغير ذلك، وهذا النقل ظاهر بوضوح في انفصال قضائه بنفي الضرر والضرار عن قضائه في الموارد الأخرى، ومع ملاحظة التشابه في الالفاظ بين ما نقله عبادة بن الصامت وبين ما نقله عقبة بن خالد في بعض تلك الأقضية يحصل الاطمئنان بأنَّ ما يريد نقله عقبة بن خالد هو نفس ما يريد نقله عبادة بن الصامت، وأنهما ينقلان وقائع واحدة، ولمّا كان عبادة ثقة في النقل يحصل الاطمئنان بأنَّ عقبة بن خالد في اختلافه مع عبادة في ظهور نقله في التعليل والارتباط وعدم ظهور نقل عبادة في ذلك أنه كان من باب الجمع في الرواية.
والحاصل إنه وإن كان ظاهر رواية عقبة بن خالد وجود الارتباط إلا أنه لابد من رفع اليد عن هذا الظهور بملاحظة أنَّ أقضية النبي (ص) قد رويت في كتب العامة عن عبادة ولم تذكر فيها هذه القاعدة مرتبطة بها، بل رويت مستقلة، وحيث أنَّ عقبة بن خالد قد روى أيضاً أقضية النبي (ص) كما يدل عليه وجود جملة منها منقولة عنه في كتبنا - والمضنون أنها كانت مجتمعة في روايته لكن الفقهاء فرقوها على الأبواب المناسبة لها - ويفهم من ذلك أنَّ الجمع بين رواية القاعدة وروايتي الشفعة ومنع فضل الماء في رواية عقبة بن خالد إنما هو من قبيل الجمع في الرواية.
والذي يُفهم من مجموع كلامه أنه ذكر لإثبات مدعاه مقدمات ثلاثة:
المقدمة الأولى أنَّ عبادة بن الصامت ثقة، وإلا لما كان هذا حجة ولما كان معارضاً لرواية عقبة بن خالد ومقدماً عليها، واستدل على وثاقته أولاً بما نُقل في أحواله من المدح والتوثيق، وثانياً بالمطابقة بين روايته بطولها وبين رواية عقبة بن خالد الموزعة على الأبواب المختلفة بحيث لا يوجد بينهما فارق إلا الظهور في الارتباط وعدمه.
ويلاحظ عليها:
لو سلمنا ثبوت وثاقة عبادة بما ذكره، إلا أنه لا يعني اعتبار الخبر وتقديمه على رواية عقبة بن خالد، وذلك لوجود وسائط لم تثبت وثاقتهم، بل ثبت ضعف بعضهم عندهم، كما أنَّ الرواية فيها إرسال أشاروا إليه، وذلك باعتبار أنَّ اسحاق بن يحيى الذي يروي عن عبادة لم يدرك عبادة على ما ذكره صاحب تهذيب التهذيب في ج1 ص224.
وأما المطابقة التي استدل بها فهي إنما تثبت إذا كانت في روايات كثيرة، وأما إذا كانت في رواية واحدة - ولو اشتملت على أقضية كثيرة - فلا يوجب ذلك توثيق الراوي لها، هذا إذا سلَّمنا المطابقة، ولكن الظاهر وجود الاختلاف بين الروايتين.