47/04/13
/ قاعدة لا ضرر/الأصول العملية
الموضوع: الأصول العملية/ قاعدة لا ضرر/
انتهينا الى عدم إمكان تقديم الرواية المشتملة على القيد على الرواية الفاقدة له، لعدم ظهور الأولى في التقديم وإن كانت ظاهرة في وجود الزيادة، لكنها معارضة بظهور الرواية الفاقدة للقيد في عدم الزيادة، فلا يندرج المقام في باب التقديم على أساس الظهور والظن النوعي، وعلى هذا فلابد أن يكون التقديم على أساس آخر، وهو لا يخلو من أحد أمرين:
ذكرنا الأمر الأول، وحاصله: التقديم على أساس الترجيح بلحاظ درجات الكشف والظن الشخصي، وذلك بأن يقال إنَّ الرواية المشتملة على القيد فيها قرائن تفيد الظن بوجود الزيادة.
وهذا صحيح، ولكنه بعد ملاحظة الرواية الخالية من القيد أيضاً وهل يوجد فيها ما يوجب الترجيح أو لا، إذ لا موجب لملاحظة طرف دون الآخر، ومن هنا يُستدل على الترجيح بالوجهين المتقدمين - أي الثاني والثالث-:
أما الوجه الثاني فحاصله: أنَّ منشأ الزيادة هو إما الغفلة أو الكذب وهما منفيان بالأصل وبدليل حجية خبر الثقة، وأما النقيصة فلها مناشئ كثيرة لا نافي لها، وهذا مرجح لجانب الزيادة.
وأما الوجه الثالث فحاصله: أنَّ احتمال سقوط الموجود أقوى من احتمال إضافة غير الموجود، وهذا في صالح الزيادة أيضاً، فيتمسك بهذين الوجهين لإثبات الارجحية بلحاظ الظن الشخصي.
وكان الجواب المشترك عنهما هو أنَّ ما ذُكر لا يوجب إلا احتمال الترجيح والظن به، ولا دليل على حجية هذا الظن بعدما تقدم من انكار قيام السيرة على هذا الترجيح.
وأما الأمر الثاني: هو دعوى لزوم الأخذ بالزيادة وتقديمها على النقيصة لا من باب الكشف والظن الشخصي ولا من باب الكشف والظن النوعي، وعليه لا فرق بين وجود القرائن التي تفيد الظن الشخصي بالزيادة أو تفيد الظن الشخصي بالنقيصة أو تكافؤ الطرفين، فعلى جميع الفروض تُقدم الزيادة.
أقول: إنَّ هذا يرجع الى دعوى وجود أصل عقلائي يقضي بتقديم جانب الزيادة حتى في فرض أرجحية جانب النقيصة، من دون أن يكون ذلك قائماً على أساس الظهور، وهذه الدعوى لا دليل عليها، لأننا نلاحظ أنَّ المعيار عند العقلاء في أمثال المقام على ملاحظة القرائن الموجبة للوثوق أو الاطمئنان أو الظن بأحد الطرفين، فإن حصل ذلك بنوا عليه، سواء كان ذلك في جانب الزيادة أو في جانب النقيصة، وإلا فالقاعدة تقتضي التساقط.
وعليه فالصحيح عدم وجود قاعدة مستقلة عن القاعدة في باب الترجيح تقتضي تقديم جانب الزيادة، فلابد من تطبيق القواعد العامة للترجيح في المقام.
نعم تقدم أنَّ المحقق النائيني إدعى وجود ما يوجب ترجيح جانب النقيصة، وهما أمران:
الأول: دعوى أنَّ الزيادة وردت في رواية واحدة في حين أنَّ النقيصة وردت في روايات عديدة، فإن كلمة (على مؤمن) لم ترد إلا في رواية أبن مسكان عن زرارة المروية في الكافي، وهذا يوجب أرجحية جانب الروايات الخالية من هذه الزيادة.
وفيه: إنَّ ما ذكره لا يخلو إما أن يكون بلحاظ جميع روايات لا ضرر بطوائفها المتعددة، وإما أن يكون بلحاظ روايات الطائفة الأولى، أما على الأول فلا معنى له بعد أن كان الكلام بلحاظ الطائفة الأولى التي تتحدث عن قضية سمرة بن جندب، على أنه لا محذور في وجود القيد في طائفة وعدم وجوده في طائفة أخرى كروايات الشفعة، ويكون ذلك من باب اختلاف الموضوع، ولا تنافي حينئذٍ بين الطائفتين.
أما على الثاني فغير صحيح أيضاً لأنها ثلاث روايات، واحدة منها خالية من ذكر القاعدة وهي رواية الحذاء، فعدم ذكر القيد فيها يكون من باب السالبة بانتفاء الموضوع، فتبقى روايتان واحدة مشتملة على القيد والأخرى خالية منه، وعليه لا يمكن القول إنَّ النقل الخالي عن القيد متعدد!
الثاني: إنَّ احتمال وقوع الاشتباه في زيادة كلمة (على مؤمن) ليس ببعيد، لأنَّ إضافة هذه الكلمة يناسب القاعدة لأنها قاعدة إمتنانية فتختص بالمؤمن، ولذا تُضاف هذه الزيادة.
أقول: لعل المراد أنَّ مناسبات الحكم والموضوع تكون بنحو لو أنَّ الراوي كان هو المُشرِّع لأضاف هذا القيد، وهذا الأنس الذهني إذا وصل الى هذه الدرجة يوجب اشتباهه وتخيله وجود هذا القيد، بينما لا وجود لمثل لهذا الاشباه في الروايات الخالية منه، فيكون هذا مرجحاً لجانب النقيصة.
وعلى كل حال ما ذكره قده إن أوجب الوثوق بعدم وجود الزيادة - بمعنى تقديم جانب النقيصة - فهو كافٍ، وإن لم يوجب إلا الظن والاحتمال فلا يعول عليه لعدم حجية هذا الظن، وحينئذٍ تنتهي النوبة الى التساقط.
وتبين من كل ما تقدم:
عدم وجود تهافت في روايات الطائفة الأولى، إما لعدم ثبوت ما عدا الرواية الأولى سنداً فيكون التعويل عليها، ولا معنى حينئذٍ للتهافت، وإما لحصول التواتر بصدور هذه الروايات في الجملة فالقاعدة تقتضي الاقتصار على القدر المتيقن، فإذا شككنا في شمول القاعدة لمورد لا يمكننا إثبات مفادها فيه.
وإذا فرضنا ثبوت هذه الروايات سنداً فتبين عدم التهافت أيضاً لا من جهة عدم وجود فقرة لا ضرر رأساً في بعض هذه الأخبار، ولا من جهة وجود فاء التفريع في بعضها دون البعض الآخر، ولا من جهة وجود قيد (على مؤمن) كذلك، بناءً على تقديم أصالة عدم الزيادة وثبوت القيد.
كما أنه بناءً على عدم قبول تقديم جانب الزيادة - كما هو الصحيح - ودعوى وجود مرجح في جانب النقيصة فلا تهافت أيضاً وذلك لنفي الزيادة على هذا التقدير.
وأما إذا لم يثبت وجود مرجح فالقاعدة تقتضي التساقط، فلا تثبت الزيادة ولا النقيصة، نعم نتعامل في المقام مع الرواية على أساس عدم وجود الزيادة.
هذ كله بلحاظ روايات الطائفة الأولى.