47/04/11
/ قاعدة لا ضرر/الأصول العملية
الموضوع: الأصول العملية/ قاعدة لا ضرر/
نقلناً رأياً للمحقق النائيني وقلنا أنه يظهر منه أنَّ أصالة عدم الزيادة ليست مبينة على إفادتها الظن النوعي وإنما على إفادتها الظن الشخصي، ولذا تتأثر حجيتها بالظن بالخلاف أو بعدم الظن بالوفاق، ومن هنا لو كانت هناك احتمالات في جانب النقيصة توجب قوة احتمال عدم وجود الزيادة فهذا يؤثر على الأخذ بأصالة عدم لزيادة، ولو كانت من باب الظن النوعي لم تتأثر بالظن الشخصي بالوفاق، بل ولا بالظن الشخصي بالخلاف.
ولذا لابد من البحث في أنَّ أصالة عدم الزيادة هل حجيتها من باب إفادتها الظن النوعي، أو ليست كذلك وإنما يُبنى على وجود الزيادة من جهة عدم وجود قرائن معاكسة لها؟
ذكرنا أنَّ أصالة عدم الزيادة لا تختلف عن سائر الأصول اللفظية، أي ليس هناك دليل خاص على هذا الأصل في قبال باقي الأصول اللفظية، وإنما هي - على تقدير اعتبارها - كباقي الأصول اللفظية المندرجة في كبرى حجية الظهور، ومن هنا لابد من البحث في أمرين:
الأول: في دليل اعتبار الأصول اللفظية، وهل هو من باب إفادته الظن النوعي أو من باب إفادته الظن الشخصي.
الثاني: وبناء على الأول يقال: هل هذا الدليل يجري في أصالة عدم الزيادة أو يختص بالأصول اللفظية الأخرى؟
أما البحث الأول فعمدة الدليل على حجية الأصول اللفظية والظهور هو السيرة، وهذه السيرة تارة نلحظها بما هي سيرة متشرعة بالمعنى الأعم – أي العمل الصادر منهم بما هم عقلاء لا بما هم متشرعة من قبيل عملهم بخبر الثقة – وأخرى نلحظها كسيرة عقلائية، أما الأولى فتقريب الاستدلال بها أن يقال: لا إشكال في أنَّ أصحاب الأئمة كانوا يعملون بأخبار الثقات الواصلة إليهم، ومن الواضح أنَّ هذا يستلزم عملهم بظواهر تلك الأخبار، لأنَّ فرض خلاف ذلك يستلزم وجود بديل لذلك، لأنَّ العمل بأخبار الثقات لا يُتصور إلا إذا فرض معرفة المراد وتعيين المدلول لهذا الخبر، فإذا لم يتم ذلك من خلال الظهور فلابد أن يتم من خلال شيء آخر، كالأخذ بخلاف الظهور أو الأخذ بالعلم أو الاطمئنان، ومن الواضح أنَّ هذا لو كان حاصلاً لكان أمراً غريباً في مقام استنباط الحكم الشرعي من الرواية ولبان وشاع ولوصل إلينا، في حين أنه لم يصل إلينا شيء من هذا القبيل بل الواصل يُعزز احتمال العمل بالظواهر، وعليه فلابد من فرض انعقاد سيرتهم على العمل بظواهر تلك الأخبار وهو المطلوب.
نعم على تقدير عمل المتشرعة بالظهور فهل هو على أساس حصول الاطمئنان لهم، أو على أساس بنائهم على أنَّ الظهور الحجة بالنسبة الى تشخيص مراد المتكلم؟
قد يُقرب الثاني لوضوح أنَّ أكثر مراتب الظهور لا يحصل منها الاطمئنان عادةً، وذلك لأمور منها استعمال التقية، ومنها الاعتماد على القرائن المنفصلة، ومنها عدم ارادة الظاهر إما من باب التخصيص والتقييد أو الاستخدام أو التجوز ونحو ذلك، وهو شائع في كلام الأئمة عليهم السلام، وهذا يمنع من حصول الاطمئنان غالباً بإرادة ظاهر الكلام وأنَّ مراد المتكلم هو هذا الظاهر، في حين أننا نرى أنَّ المتشرعة يعملون بالظهور دائماً بالرغم من وجود ما يوجب احتمال إرادة خلاف الظاهر، وهذا يعني أنَّ عملهم ليس على أساس حصول الاطمئنان لهم، وإنما على أساس الأخذ بالظهور في مقام التفهيم والتفاهم.
هذا كله في الدليل الأول، وتبين وجود سيرة من قبل المتشرعة على الأخذ بالظهور.
الدليل الثاني السيرة العقلائية:
لا إشكال في أنَّ العقلاء في مقام التفهيم والتفاهم لا يتقيدون بأن يكون الكلام نصاً في المعنى، وهذا واضح، بل ذلك عندهم قائم على أساس الأخذ بالظواهر في مجال أغراضهم التكوينية والتشريعية، فيبنون على أنَّ الظهور حجة للآمر على المأمور وبالعكس، وهذا العمل في مجال الأغراض التشريعية قائم على أساس الحجية التعبدية والظن النوعي، لا على أساس الظن الشخصي أو الاطمئنان كذلك، فالعبد يرى نفسه مسؤولاً أمام مولاه على أساس ظاهر كلامه حتى لو لم يحصل له الاطمئنان الشخصي، وكذا المولى له أن يحتج على العبد على أساس الظهور وإفادة الظن النوعي.