47/04/07
/ قاعدة لا ضرر/الأصول العملية
الموضوع: الأصول العملية/ قاعدة لا ضرر/
تتميم:
تقدم الكلام عن الوجه الثاني من الوجوه التي قيل أنها تدل على تقديم أصالة عدم الزيادة على أصالة عدم النقيصة، وحاصله: أنَّ مناشئ النقيصة أكثر من مناشئ الزيادة، وليس للزيادة إلا منشأين هما الكذب والغفلة، وكل منهما منفي بالدليل، وأما مناشئ النقيصة فمتعددة ولا نافي لها، فيقوى احتمال النقيصة، فتتقدم أصالة عدم الزيادة ويثبت بها القيد.
وذكرنا مناقشتين لهذا الوجه، وأما المناقشة الثالثة فتقول:
لو سلّمنا زيادة مناشئ النقيصة على مناشئ الزيادة، إلا أنه وحده لا يوجب أرجحية حصول النقيصة على احتمال الزيادة لأنه مجرد ظن ولا يزيد عليه، ولا دليل على حجية مثل هذا الظن.
ولكن يمكن التأمل فيه بأن يقال: إذا سلَّمنا زيادة المناشئ في النقيصة فالمُرجح في جانب الزيادة موجود وهو الأدلة النافية لاحتمالي الزيادة، لكن يبقى الكلام في حجية هذه الأرجحية، فلو فُرض وصولها إلى درجة القطع أو الاطمئنان فيمكن الالتزام بها، أما إذا لم تصل الى ذلك فتكون ظناً فيأتي السؤال عن الدليل على اعتبار مثل هذا الظن؟
فالظاهر أنَّ هذا الاعتراض تام أيضاً.
ثم ذكرنا الوجه الثالث وحاصله:
إنَّ احتمال إضافة شيء غير موجود أضعف بكثير من احتمال نقصان شيء موجود، خصوصاً مع ملاحظة طرق نسخ الكتب، فهذا الوجه يساعد عليه الاعتبار، وهو أهم الوجوه التي أُستند إليها لإثبات ترجيح أصالة عدم الزيادة على أصالة عدم النقيصة.
والمناقشة فيه: إنَّ هذه الأقوائية إذا تمت فلا الدليل على كونها موجبة للترجيح لأنها لا تفيد إلا الظن ولا دليل على حجيته في المقام، لأنَّ الدليل على حجية الظن إنما هو السيرة وبناء العقلاء ولا جزم بانعقادها على تقدم أصالة عدم الزيادة على أصالة عدم النقيصة لمجرد هذه الأقوائية الناشئة من كون احتمال الغفلة في جانب النقيصة أقرب من احتمال الزيادة في جانب الزيادة.
ومنه يظهر عدم تمامية ما استدل به على ترجيح أصالة عدم الزيادة على أصالة عدم النقيصة، وبالتالي لا يمكن إثبات زيادة قيد (على مؤمن) في روايات لا ضرر.
هذا كله بناء على صحة سند الرواية المشتملة على هذا القيد، وقد تقدم الاشكال فيه.
هذا وقد قَبِل المحقق النائيني القاعدة على أساس هذا الوجه الأخير، إلا أنه منع من انطباق ذلك على المقام لمنع كون عدم الزيادة في الرواية المشتملة على الزيادة أقوى من عدم النقيصة في الرواية الخالية الزيادة، لأنه وإن كان عدم الزيادة في نفسه أقوى من عدم النقيصة لكن الرواية الخالية من القيد هنا أرجح من الرواية المشتملة على القيد من جهتين:
الأولى: إنَّ الزيادة نُقلت في حديث واحد وعدمها نُقل في أحاديث كثيرة.
الثانية: إنَّ إضافة كلمة (على مؤمن) لكونه ملائماً لمناسبات الحكم والموضوع لمثل هذه القاعدة الامتنانية والتي هي احسان الى العباد ورحمة بهم فلا يناسب شمول ذلك للكافر الذي أمر الشارع بالشدة معه، فلا محالة تختص القاعدة بالمؤمن، فيُزاد كلمة (على مؤمن) إنسجاماً مع هذا الفهم.
ويلاحظ عليه: بأنَّ الظاهر من كلامه – بقطع النظر عن الجهتين المتقدمتين – هو أنَّ أصالة عدم الزيادة التي اعترف بها إنما هي بملاك الظن الشخصي الذي يتأثر بكل مزية توجب أقربية هذا المحتمل أو ذاك، أو أقوائية هذا المحتمل أو ذاك، فقد يتحقق ذلك في جانب الزيادة فيُعمل بها وقد يتحقق في جانب النقيصة فيُعمل بها كما في المقام، وهذا يعني أنَّ القاعدة الثانوية – أي أصالة عدم الزيادة – إنما يُلتزم بها حيث يكون احتمال وجود الزيادة أرجح وأقوى من احتمال وجود النقيصة، وهو يكون في الحالة الاعتيادية لدوران الأمر بين الزيادة والنقيصة، وأما إذا فرض وجود مزايا وقرائن توجب أقوائية احتمال النقيصة من احتمال الزيادة فلا مجال لجريان هذه القاعدة الثانوية.
وبعبارة أخرى: إنَّ المحقق النائيني يرى أنَّ الزيادة فيها خصوصية ومزية توجب أقوائية احتمالها من احتمال النقيصة، ولهذا اعترف بالقاعدة، ولكنه يرى أنَّ ذلك إنما يتم إذا لم يوجد في طرف النقيصة ما يوجب رجحان احتمالها من احتمال الزيادة، وهذا في مقابل القول بأنَّ القاعدة ثابتة بملاك الظن النوعي، كسائر القواعد والأمارات التي يكون ملاك حجيتها إفادتها الظن النوعي، وهو معنى أنَّ حجيتها ليست مشروطة بالظن بالوفاق ولا بعدم الظن بالخلاف، فكلما دار الأمر بين الزيادة والنقيصة جرت القاعدة وقُدم جانب الزيادة حتى إذا فرض أرجحية الاحتمال المقابل لوجود قرائن ومزايا فيه.
أقول: لا إشكال في أنَّ قاعدة أصالة عدم الزيادة - التي ذهب المشهور إليها على ما قيل - لم يقم دليل خاص على اعتبارها بقطع النظر عن سائر الأصول اللفظية التي تدخل جميعها في كبرى أصالة الظهور، ويكون دليل حجيتها هو نفس دليل حجية هذه الأصول، ومن هنا لابد من البحث عن أمرين:
الأول: عن دليل اعتبار الأصول اللفظية وملاك حجيتها.
الثاني: في جريان هذا الدليل في أصالة عدم الزيادة.
أما الأمر الأول فالدليل على حجية الظهور هو سيرة المتشرعة والسيرة العقلائية، والمقصود من سيرة المتشرعة هنا هو سيرتهم بالمعنى الأعم، لا بالمعنى الأخص التي تعني العمل الصادر منهم بما هم متشرعة، من قبيل سيرتهم على جلسة الاستراحة التي لا يحتمل في نشؤها وجود نكات عقلائية، وإنما ينحصر احتمال نشؤها من الشارع، وأما سيرة المتشرعة بالمعنى الأعم فهي الصادرة منهم بنكات عقلائية، من قبيل عمل العقلاء بخبر الثقة، ومنه بناء العقلاء على الأصول اللفظية، وهي المتصورة في محل الكلام.