47/04/01
/ قاعدة لا ضرر/الأصول العملية
الموضوع: الأصول العملية/ قاعدة لا ضرر/
تنبيهان:
الأول: الكلام المتقدم ليس مختصاً بمراسيل الشيخ الصدوق حتى يقال إنَّ الشيخ قال في كتاب كذا أنا أطرح الأسانيد فتكون الروايات مرسلة مع وجود الأسانيد عنده، بل هو قضية عامة تشمل كل ثقة إذا أسند الى المعصوم بنحو البت والجزم مع عدم المعاصرة وعدم السند المتصل الى المعصوم، وكيف نتعامل مع هذه الروايات؟
على أنه لم يفعل ذلك في كتاب الفقيه الذي هو العمدة من كتبه، فيأتي الكلام السابق في المراسيل التي فيه، ويقوى احتمال عدم وجود أسانيد لها، ومعه لا يمكن القول أنه يُحتمل أن يكون نقله عن حس، وأنَّ له طريق يرويه كابر عن كابر وثقة عن ثقة.
الثاني: إنَّ الغرض من الكلام المتقدم هو الجواب عن الإشكال الوارد على هذه التوثيقات وأنها حدسية، وأنَّ نقل الشيخ الصدوق هو نقل حدسي، وأما الاعتراض بأنَّ التوثيق الصادر من النجاشي الذي ينقله عن شخص عن حس وما هو الدليل على وثاقة المنقول عنه فهو إشكال آخر لا يرتبط بمحل الكلام وله جواب آخر، وإنما الكلام في أنَّ توثيقات النجاشي يحتمل فيها أن تكون حدسية أو يدعى فيها ذلك فكيف تشملها أدلة الحجية؟
والجواب عنه هو بما تقدم من وجود أصل عقلائي حاكم يقول مع احتمال الحس في النقل يتعين الحمل عليه، ولا إشكال في احتمال الحس في مثل توثيقات النجاشي، فإنه إما أن ينقل عن كتب رجالية وصلت إليه، وإما عن مشايخه عن مشايخهم وصولاً الى الراوي الموثَّق ومن عاصره، أو يستند الى وضوح الوثاقة في بعض الرواة، ونحو ذلك، نعم إذا قامت القرائن على الحدس في بعض التوثيقات فلا يأتي فيها الكلام المتقدم، وإنما الكلام في التوثيقات التي يحتمل فيها الحس فإنَّ الأصل العقلائي حاكم فيها، هذا هو الجواب عن توثيقات الرجاليين.
ولاحظنا عليه بأنه يتم في توثيقات الرجاليين ويندفع به الاشكال، لكنه لا يتم في مراسيل الشيخ الصدوق للنكتة المتقدمة من أنَّ نقلة الأخبار جرت عادتهم على ذكر الأسانيد، ويستنكرون ويعيبون من يعتمد على المراسيل، وهذا واضح من كتبهم، فإذا نقل رواية مرسلة فيقوى احتمال أنه لا يملك سند إليها، وعليه كيف يقال أنَّ احتمال الحس فيه موجود؟!
والحاصل إنَّ ما ذكره السيد الخوئي قده إن كان ناظراً الى مسألة احتمال الحدس في مراسيل الصدوق كان هذا الجواب الحلي تاماً، ويكون هو الجواب عن نفس الاشكال في توثيقات الرجاليين، ولكن الظاهر أنه ليس ناظراً الى ذلك، بل الى مسألة اختلاف المباني في حجة خبر الواحد.
نعم الجواب النقضي تام، بمعنى أنَّ ما ذكره من اختلاف المباني في حجية الخبر إذا كان مانعاً من البناء على حجية ما يرسله الصدوق بنحو الجزم واليقين كان مانعاً أيضاً من حجية توثيقات النجاشي لاختلاف المباني أيضاً.
والصحيح أن يقال أنَّ الوجه المذكور لتصحيح مراسيل الصدوق مبني على القول بحجية خبر الثقة، فيقال إنَّ الصدوق ثقة وهو ينقل لنا كلاماً للمعصوم يمكن أن يكون حسياً فيكون كلامه حجة، فيتم هذا الوجه، وأما إذا قلنا بحجية الخبر الموثوق بصدوره فلا يتم هذا الوجه، إذ لا بد حينئذٍ من حصول الوثوق عندنا بثبوت المخبر به حتى إذا فرضنا حصول الوثوق عند الشيخ الصدوق فضلاً عما إذا لم يحصل له الوثوق واكتفى بوثاقة الراوي.
هذا مضافاً الى أنَّ مرسلة الشيخ الصدوق تتفرد بقيد (في الاسلام) فحينئذٍ يقال من المستبعد وجود هذه الإضافة لعدم نقلها لا في كتب الخاصة ولا العامة، ويُقربه أنَّ الشيخ حينما ذكر المرسلة كان في مقام الاحتجاج مع العامة في مسألة إرث المسلم من الكافر وإرث الكافر من المسلم وأنَّ الاسلام لا يوجب الاضرار بعدم الإرث، فلا يكون في كلامه ظهور في أنَّ هذا القيد موجود في أصل الرواية، وقد ذكر حديثين آخرين في نفس كلامه وهما (أنَّ الاسلام يزيد ولا ينقص) و (أنَّ الاسلام يعلو ولا يُعلى عليه) وهذا يُقرب أنَّ القيد بياني وليس من أصل الحديث.
وعلى كل حال روايات الطائفة الثالثة – أي المراسيل – لا يصح التعامل معها على أنها حجة تامة السند.
هذه هي أهم روايات القاعدة، وقد تبين عدم تمامية سند معظمها باستثناء الرواية الأولى من الطائفة الأولى التي رواها المشايخ الثلاثة، ويترتب على ذلك:
أولاً: لا نقع في مشكلة تهافت المتن، إذ لم يثبت إلا متن واحد من الرواية الصحيحة وهي (لا ضرر ولا ضرار).
ثانياً: يكفي للبحث عن الجهات المرتبطة بالقاعدة تحديد مدلول هذا المتن بغض النظر عن غيره.
ثالثاً: أنَّ التعامل مع دليل القاعدة يكون على أساس أنه دليل ظني.
دعوى التواتر
نعم قد يدعى التواتر في المقام، وهو إما إجمالي وإما لفظي وإما معنوي، أما الاجمالي فيكون بلحاظ الكثرة العددية للروايات بقطع النظر عن وجود ما تشترك به من حيث المعنى أو اللفظ، فيحصل القطع أو الاطمئنان بصدق بعضها لاستبعاد كذب الجميع بسب حساب الاحتمالات.
وأما التواتر المعنوي فيكون بلحاظ الاشتراك في المعنى دون اللفظ، وأما التواتر اللفظي فيكون بلحاظ الاشتراك في اللفظ والمعنى معاً، وهذان وإن كانا يحتاجان الى الكثرة العددية لكن دخول العامل الكيفي – أي الاشتراك في اللفظ أو المعنى – يجعل حصول القطع أو الاطمئنان بنحو أسرع وبعدد أقل من الروايات.
أما التواتر الاجمالي فالظاهر أنه غير متحقق لتوقفه على عدد كثير من الروايات حتى يقال لا يُحتمل كذب الجميع فيلزم منه القطع بصحة واحد منها على الأقل، وهذا غير واضح في محل الكلام.
وأما التواتر المعنوي فقد يدعى على أساس الاشتراك في المعنى وهو نفي الضرر، بل قد يدعى التواتر اللفظي على أساس الاشتراك في اللفظ أي (لا ضرر ولا ضرار)، أما المعنوي فقد يقال أنه غير واضح لأنَّ الطائفة الأولى عبارة عن ثلاث روايات اثنان منها رواها راو واحد وهو زرارة وإن اختلف الناقل عنه، والطائفة الثانية من طرقنا روايتين بسند واحد وراوٍ واحد وهو عقبة بن خالد، ومن طرق العامة لا تزيد على ثلاث روايات، والطائفة الثالثة عبارة عن مراسيل، وقد يُشكك في حصول التواتر المعنوي بذلك.
ويمكن أن يُضم إليه شهرة الرواية بين المسلمين فقد يحصل التواتر المعنوي وهو يوجب الوثوق بصدور هذا المضمون، ومع التشكيك فيه فلدينا رواية تامة سنداً تدل على هذا المضمون، وبناءً على حصول الوثوق يكون سند القاعدة خبراً قطعي الصدور، ويثبت بهذا الطريق المقدار المتيقن فقط، أي ما تشترك به جميع الأخبار دون ما تختلف فيه من قبيل (في الاسلام) و (على مؤمن)، وحينئذٍ إذا شك في شمول القاعدة لمورد ما فلا يمكن إثبات مفادها فيه.
هذا كله في المقام الأول.
المقام الثاني في التهافت في خبر نفي الضرر