« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ هادي آل راضي
بحث الأصول

47/03/30

بسم الله الرحمن الرحيم

/ قاعدة لا ضرر/الأصول العملية

الموضوع: الأصول العملية/ قاعدة لا ضرر/

 

كان الكلام في مراسيل الصدوق التي يُسنِد فيها الى المعصوم على نحو الجزم، وتقدم أنه هناك رأي يقول بإمكان الاعتماد عليها، فإذا تم فتكون الرواية معتبرة لقيام الحجة عليها، غاية الأمر أنها مجهولة لدينا ومعلومة عند الشيخ الصدوق.

وأشكل عليه السيد الخوئي بأنَّ غاية ما يثبت به هو قيام الحجة عند الشيخ الصدوق ولا يلزم منه قيام الحجة عندنا لاختلاف المباني في حجية الخبر.

وأجيب عنه:

نقضاً بتوثيقات الرجاليين، إذ لا فرق بين إسناد الكلام الى المعصوم مع الارسال على نحو الجزم، وبين الإخبار عن الوثاقة أو الضعف مع الارسال كذلك، فيُستشكل في كلام الرجالي ويقال إنَّ غاية ما يُستفاد منه هو قيام الحجة عنده على وثاقة هذا الرجل ولا ملازمة بينه وبين قيام الحجة عندنا لاختلاف المباني في التوثيقات، فلماذا تقبل مراسيل الرجالي ولا تقبل مراسيل الصدوق؟!

وحلَّاً - بعد تقديم مقدمة حاصلها: إنَّ هذا الجواب يعتمد على أصالة الحس الجارية في الأمور الحسية عند الشك في الإخبار بها حساً أو حدساً، فلو أخبر المُخبر عن نزول المطر وشككتُ في أنه أعتمد في إخباره على الحس أو على الحدس فالأصل العقلائي يقول إنَّ الأصل في الأمور الحسية هو الإخبار عن حس لا عن حدس، ولولا هذا الأصل فمقتضى القاعدة هو عدم الحجية عند الشك، ولا يمكن التمسك بأدلة الحجية لإثباتها في هذا المورد لأنه من التمسك بالدليل في الشبهة المصداقية للمخصص، فإنَّ الحجية ثابتة للخبر خرج منه الخبر الحدسي بالتخصيص وشككنا في هذا الخبر هل هو عن حس فيبقى تحت العام أو عن حدس فيخرج بالتخصيص؟ فهذه شبهة مصداقية للمخصص، ولا إشكال في عدم جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية للمخصص، لكن الأصل العقلائي يكون مقدماً على هذه القاعدة، إذا اتضح ذللك فحينئذٍ يقال في المقام:

إنَّ مجرد عدم العلم بمبنى الشيخ الصدوق في إخباره لا يوجب الحكم بعدم حجية خبره بعد وجود احتمال الحس في حقه، ولا ريب في أنَّ احتمال الحس في خبره موجود من جهة نقل كابر عن كابر وثقة عن ثقة، ومعه يجري الأصل العقلائي ويثبت أنَّ الإخبار عن حس، فيلزم البناء على حجية هذا الخبر.

وبعبارة أخرى أحرزنا كون الخبر عن حس تعبداً بواسطة الأصل العقلائي المذكور فتشمله أدلة الحجية.

ويلاحظ عليه:

أولاً: إنَّ هذا الجواب هو أحد الأجوبة عن الاشكال المطروح في توثيقات الرجاليين بالنسبة لمن لم يعاصروهم، وهو إنَّ توثيق النجاشي لشخص لم يعاصره لا يخلو إما أن يستند فيه الى توثيق الغير أو لا، وعلى كلا التقديرين لا يمكن الالتزام بحجية توثيقه، أما على الأول فلأنَّ ذلك الغير مجهول عندنا فكيف يمكن الاعتماد على توثيق شخص مجهول، وعلى الثاني يلزم أن يكون التوثيق حدسياً ولا يمكن الاعتماد عليه أيضاً.

وأحد الأجوبة عن هذا الاشكال هو ما تقدم من الاعتماد على الأصل العقلائي، وذلك بأن يقال:

لا إشكال في أننا نحتمل أن يكون توثيق الشيخ النجاشي ناشئاً من الحس، ولو من جهة النقل من الكتب الرجالية الواصلة إليهم وهي كثيرة، أو من جهة النقل عن مشايخ الناقلين عن مشايخهم حتى نصل الى من عاصر الراوي الموثَّق، أو من جهة كون الوثاقة من الأمور الواضحة في حقه لجلالته، فلا يمكن نفي احتمال الحس في حق الشيخ النجاشي، بل يمكن دعوى الاطمئنان بذلك في كثير من التوثيقات التي تصدر على نحو البت والجزم، بل قد يقال أنَّ ذلك يوحي بالاتفاق وعدم الخلاف فيما يذكره من توثيق أو تضعيف إذا لاحظنا أنهم عادة يُشيرون الى الخلاف إن كان موجوداً ولو في مثل النَّسَب، ومع عدم الاشارة الى الخلاف يُفهم منهم الاتفاق على ذلك، وعلى كل حال سواءً حصل الاطمئنان بأنَّ منشأ التوثيق هو الحس أو احتملنا ذلك فلا يرد الاشكال المذكور لجريان أصالة الحس، نعم إذا قامت القرائن على أنَّ المنشأ هو الحدس لم يكن التوثيق مشمولاً لأدلة الحجية.

ومنه يظهر أنَّ ما قد يطرق الاسماع من دعوى أنَّ توثيقات الرجالي هي حدسية لكونها مبنية على ملاحظة المتن ومضمون الخبر لا ينبغي الاعتناء بها ما لم تقم القرائن الواضحة على أنَّ هذا الإخبار كان عن حدس لما عرفتَ من أنَّ احتمال الحس ما دام موجوداً في هذا التوثيق فالقاعدة العقلائية تقتضي البناء على الحجية، هذا في التوثيقات.

وأما في محل الكلام فإنَّ احتمال الحس - أي النقل كابراً عن كابر وثقة عن ثقة - غير موجود بنحو معتد به لأنَّ المحدثين ونقلة الأخبار جرت عادتهم على نقل الأخبار الواصلة إليهم بأسانيدها، وهي طريقة معروفة لا يشذ عنها أحد، بل يرون أنفسهم ملزمين بذكر سند الخبر عند نقله إذا كان له سند، ولا يحتمل في حق واحد أنه يروي الخبر مرسلاً مع كونه مسنداً عنده! كيف وقد اعتبروا رواية المراسيل من العيوب التي ينبغي اجتنابها!

والحاصل: لا يحتمل في حق الصدوق وغيره من المحدثين أن ينقل خبراً مرسلاً مع كونه يملك سنداً له، وهذا بخلاف توثيقات الرجاليين وجرحهم فإنَّ عادتهم جرت على عدم ذكر أسانيدها فلا تجد رجالياً يذكر توثيقه أو جرحه مسنداً إلا قليلاً، ومن هنا كان احتمال أن تكون مراسيلهم مسانيد قوياً جداً، في حين أنَّ ذلك غير محتمل في نقل الأخبار فإنه لا يحتمل أن تكون المراسيل مسانيد لما ذكرناه، فيصح أن يقال إنَّ احتمال الحس في التوثيقات وارد بخلاف نقل الأخبار المرسلة فإنَّ احتمال الحس فيها غير وارد عادة.

والحاصل إنَّ التوثيقات للرجاليين عادة مرسلة حتى إذا كانت عندهم مسندة، بخلاف نقل الأخبار فإنه عادة يكون عندهم مسنداً وقد يكون مرسلاً، لكن حينما ينقله مرسلاً لا نحتمل أن يكون مسنداً عنده، ومن هنا يحتمل الحس في التوثيقات - أي أن تكون مسندة - فتجري أصالة الحس، ولكن في نقل الأخبار المرسلة لا يحتمل الحس فيها احتمالاً معتداً به - تبعاً لعدم احتمال أن تكون مسندة - فلا تجري أصالة الحس.

فالجواب الحلي يتم في التوثيقات الرجاليين ولا يتم في مراسيل الشيخ الصدوق.

وثانياً: إنَّ جواب السيد الخوئي ليس له ارتباط بحسية الخبر وحدسيته حتى يدفع بأصالة الحس عند احتماله، لأنَّ مرجع ما ذكره من أنَّ نسبة الكلام الى المعصوم على نحو الجزم غير جائزة إلا إذا ثبت صدور الكلام عنه بحجة معتبرة، وهو صحيح لكنه يعني قيام الحجة عنده على صدوره عن المعصوم، إلا أنَّ ما يكون حجة عنده قد لا يكون حجة عندنا، فإذا كان ناقل الخبر إمامياً مجهولاً مثلاً وفُرض أنَّ الشيخ الصدوق يقول بأصالة العدالة فيبني على صحة الخبر، ونحن لا نقول بها فلا يكون صحيحاً عندنا، فالنقل يكون حجة عنده ويصح له نسبته الى المعصوم، فكيف يكون مثل هذا النقل حجة عند من لا يقول بأصالة العدالة!

وهذا الجواب واضح في أنَّ المانع من البناء على حجية مراسيل الشيخ الصدوق ليس هو احتمال الحدس حتى يقال له: يمكن نفي هذا الاحتمال بأصالة الحس، وإنما المانع هو اختلاف المباني في حجية الخبر بعد الفراغ عن اختصاص الحجية بالإخبار الحسية.

logo