« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ هادي آل راضي
بحث الأصول

47/03/29

بسم الله الرحمن الرحيم

/ قاعدة لا ضرر/الأصول العملية

الموضوع: الأصول العملية/ قاعدة لا ضرر/

 

كان الكلام في الرواية الثالثة التي رواها الشيخ الصدوق في الفقيه، وأنه يُستشكل في سندها من جهتين، تقدمت الأولى، أما الجهة الثانية: وهي من جهة طريق الشيخ الصدوق الى الحسن بن زياد الصيقل، وفيه شخصان لم يوثقا وهما محمد بن موسى المتوكل وعلي بن الحسن السعدآبادي.

والظاهر أنه يمكن تجاور هذه الجهة، أما بالنسبة الى محمد بن موسى المتوكل الذي ينقل عنه الشيخ الصدوق مباشرة، فيمكن إثبات وثاقته بما ذكره السيد بن طاووس في فلاح السائل، حيث نقل رواية وقع في سندها محمد بن موسى الموكل، وإبراهيم بن هاشم القمي، وقال: (رواة الخبر ثقات بالاتفاق)[1] ، ولذا استدل السيد الخوئي وغيره على وثاقة ابراهيم بن هاشم بهذه العبارة، ومقصوده بذلك باتفاق أصحاب الفن، وهذا يكفي في إثبات الوثاقة.

لكن المشكلة أنَّ هذه العبارة غير موجودة في بعض نسخ فلاح السائل، ففي النسخة المطبوعة أخيراً أشار محقق الكتاب الى أنَّ هذه العبارة لا توجد في الأصل، وفي طبعة قديمة موجودة عندي وفيها تعليقة لبعض العلماء منها على هذه الرواية حيث أشار إليها بعبارة (نسخة)، فهذا كله يوجب التشكيك في صدور هذه العبارة من السيد بن طاووس.

نعم يمكن إثبات وثاقة محمد بن موسى المتوكل بطريق آخر وهو إكثار الشيخ الصدوق الرواية عنه مترحماً مترضياً عليه، والمختار عندنا أنَّ ترضي الشيخ الصدوق عن شيخ يكفي في إثبات وثاقته، وقد ذكره في طرقه التي ذكرها في المشيخة وذلك في 48 مورداً الى أصحاب الكتب، كما أنَّ الشيخ ابن داوود الحلي والعلامة وثقاه صريحاً، والظاهر أنَّ مجموع هذا يكفي في إثبات وثاقته.

وأما علي بن الحسين السعدآبادي فالظاهر أنه يكفي في إثبات وثاقته رواية ابن قولويه عنه في كامل الزيارات مباشرة، وهذا بناءً على استفادة توثيق من يروي عنه مباشرة من عبارته المعروفة في ديباجة الكتاب، وفي هذه العبارة ثلاثة آراء:

الأول: توثيق كل من ورد في الأسناد، وهو ما بنى عليه السيد الخوئي سابقاً.

الثاني: توثيق مشايخه المباشرين وهو المختار.

الثالث: أنها لا دلالة فيه على التوثيق أصلاً.

ويضاف إليه أنَّ أبا غالب الزُراري عبَّر عنه في رسالته المعروفة بـــ (مؤدبي)[2] ، والظاهر منه أنه مأخوذ من التربية والتعليم، نحو (أدبني ربي فأحسن تأديبي) و (هذا ما أدب به الله نبيه)، وفي لسان العرب: (أدب: الأَدَبُ: الَّذِي يَتَأَدَّبُ بِهِ الأَديبُ مِنَ النَّاسِ؛ سُمِّيَ أَدَباً لأَنه يَأْدِبُ الناسَ إِلَى المَحامِد، ويَنْهاهم عَنِ المقَابِح)[3] ، وليس معناه ما نُسب الى السيد البروجردي أنه كان من علماء الأدب، كما هو واضح.

وقد يقال: أنَّ قوله (مؤدبي) لا تدل على التوثيق، وذلك باعتبار أنه قال ذلك في رسالته في حق جعفر بن محمد بن مالك الفزاري، مع أنه ضعيف كما نص عليه النجاشي، بل تعجب من رواية أبي غالب الزراري عنه.

ويمكن دفعه بأنَّ الزراري لم يعبِّر عنه بأنه بذلك وإنما قال: (..وجعفر بن محمد بن مالك الفزاري البزاز، وكان كالذي رباني، لأن جدي محمد بن سليمان حين أخرجني من الكتاب جعلني في البزازين..)[4]

هذه هي أهم الروايات المروية من طرقنا في قضية سمرة بن جندب مع الأنصاري.

ويلاحظ على هذه الروايات أنَّ فقرة (لا ضرر ولا ضرر) موجودة في الروايتين الأولى والثانية دون الثالثة.

وهذه الحادثة نُقلت في كتب العامة لكنها من دون هذه الفقرة.

ومنه يظهر أنَّ أصل قضية سمرة بن جندب مع الأنصاري وإن نقلت بنحو الاستفاضة من العامة والخاصة، إلا أنَّ فقرة الاستدلال ليست كذلك لما عرفت من أنها لم تثبت إلا في رواية أو روايتين.

الطائفة الثانية: ما ورد في قضاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، منها: ما ورد في الكافي: (مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هِلَالٍ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع‌) قَالَ قَضَى رَسُولُ اللَّهِ (ص) بَيْنَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فِي مَشَارِبِ النَّخْلِ أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ نَفْعُ الشَّيْ‌ءِ وَقَضَى (ص) بَيْنَ أَهْلِ الْبَادِيَةِ أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ فَضْلُ مَاءٍ لِيُمْنَعَ بِهِ فَضْلُ كَلَإٍ وَقَالَ: لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ.)[5]

وما رواه بنفس السند عن أبي عبد الله عليه السلام قَالَ: ( قَضَى رَسُولُ اللَّهِ (ص) بِالشُّفْعَةِ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ فِي الْأَرَضِينَ وَالْمَسَاكِنِ وقَالَ لَا ضَرَرَ ولَا ضِرَارَ وَقَالَ إِذَا رُفَّتِ الْأُرَفُ وَحُدَّتِ الْحُدُودُ فَلَا شُفْعَةَ.)[6]

والحديث الأول تفرد بنقله الشيخ الكليني، وأما الثاني فنقله الشيخ الصدوق في الفقيه أيضاً عن عقبة بن خالد[7] ، ورواه أيضاً الشيخ الطوسي في التهذيب[8] بإسناده عن محمد بن يحيى الى آخر السند المذكور في الكافي، وسند كلتا الروايتين غير تام، لأنَّ محمد بن عبد الله بن هلال وعقبة بن خالد لم تثبت وثاقتهما، نعم وردت روايات في مدح الثاني إلا أنَّ راويها هو عقبة نفسه فلا تنفع في مقام الاستدلال على وثاقته.

مضافاً الى أنَّ طريق الشيخ الصدوق الى عقبة بن خالد غير مذكور في المشيخة.

وقد ورد هذا المضمون من طرق العامة كما حُكي عن مسند أحمد بن حنبل أنه روى عن عبادة بن الصامت جملة كثيرة من أقضية الرسول (ص) ومنها قضاؤه بحق الشفعة وقضاؤه بعدم منع فضل الماء ليمنع فضل الكلأ، وقضاؤه بأنه لا ضرر ولا ضرار.

الطائفة الثالثة وهي عبارة عن مراسيل، والمهمة منها هي مرسلة الشيخ الصدوق: (لَا ضَرَرَ وَلَا إِضْرَارَ فِي الْإِسْلَامِ)[9] ، وقال قبل ذلك: (..وَأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَى الْكُفَّارِ الْمِيرَاثَ عُقُوبَةً لَهُمْ بِكُفْرِهِمْ كَمَا حَرَّمَ عَلَى الْقَاتِلِ عُقُوبَةً لِقَتْلِهِ فَأَمَّا الْمُسْلِمُ فَلِأَيِّ جُرْمٍ وَ عُقُوبَةٍ يُحْرَمُ الْمِيرَاثَ وَ كَيْفَ صَارَ الْإِسْلَامُ يَزِيدُهُ شَرّاً مَعَ قَوْلِ النَّبِيِّ (ص) (الْإِسْلَامُ يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ‌) وَمَعَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ (لَا ضَرَرَ وَ لَا إِضْرَارَ فِي الْإِسْلَامِ)‌ فَالْإِسْلَامُ يَزِيدُ الْمُسْلِمَ خَيْراً وَ لَا يَزِيدُهُ شَرّاً.)[10]

ومن المعلوم أنَّ مراسيل الصدوق تُقَّسم الى قسمين ما كانت بعنوان (روي عن فلان) أو (روى فلان) وأمثال ذلك، وما كانت بنسبة قاطعة نحو (قال الصادق عليه السلام)، وهذه الرواية من النحو الثاني حيث قال: (مع قوله صلى الله عليه وآله..)، وهناك كلام معروف في هذا القسم وفيه رأيان:

الأول: ما اختاره كثير من المتأخرين وهو عدم الحجية لجهالة الطريق.

الثاني: إمكان الاعتماد عليه، واختاره جماعة منهم المحقق الداماد الذي أسس هذه الطريقة، ومنهم السيد الخوئي في رأيه السابق، وذلك باعتبار أنَّ الشيخ الصدوق يُسند الى معصوم ولا يجوز ذلك إلا إذا ثبت عنده أنه قال ذلك، وإلا كان إفتراءً عليه، فلابد أنه اعتمد على من يمكن الاعتماد عليه لتبرير هذا الاسناد، وهذا يكفي لإثبات هذا القول، وبالتالي اعتبار الرواية.

وأجاب عنه السيد الخوئي في المحاضرات بعد عدوله عنه بأنَّ التحقيق أنَّ هذه المراسيل ليست حجة، وأنَّ غاية ما يدل عليه قوله (قال) هو صحة الخبر عنده، وأما صحته عندنا فلا، لاختلاف المباني في حجة الخبر، ومعه كيف يمكن اعتماد شخص على خبر لمجرد ثبوت حجيته عند غيره.

واعتُرض عليه نقضاً وحلاً، أما النقض فبتوثيقات الرجاليين، إذ لا إشكال عندهم في حجية قول الرجالي، مع أن هذا الاحتمال يأتي فيه بعينه، فيقال إنَّ غاية ما يدل عليه قول النجاشي مثلاً (فلان ثقة) هو أنه ثقة عنده أما عندنا فلا لاختلاف المباني، فما هو الفارق بينهما؟ فما يكون به الجواب هناك يكون به الجواب هنا.

 


[10] المصدر السابق.
logo