« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ هادي آل راضي
بحث الأصول

47/03/24

بسم الله الرحمن الرحيم

/ الشرائط المعتبرة في جريان البراءة/الأصول العملية

الموضوع: الأصول العملية/ الشرائط المعتبرة في جريان البراءة/

 

بعد أن انتهى السيد الخوئي قده الى أنَّ استصحاب عدم الابتلاء لا مانع من جريانه في محل الكلام اعترض عليه من جهة أخرى، وهي أنَّ لازم جريانه في فرض احتمال الابتلاء والالتزام بعدم وجوب التعلم لازم ذلك اختصاص أدلة وجوب التعلم بالفرد النادر مستهجن عرفاً، وهو فرض العلم بالابتلاء، فلابد من الالتزام بشمولها لفرض احتمال الابتلاء، فإذا شملته ودلَّت على وجوب التعلم فلا يجري الاستصحاب لوجود الدليل الاجتهادي.

وهذا الوجه يبتني على أنَّ فرض العلم بالابتلاء - الاجمالي والتفصيلي – هو فرض نادر، فإذا سلَّمنا ذلك تم هذا الوجه.

الاعتراض الثاني: وهو ما ذكره السيد الشهيد قده وحاصله[1] :

لو سلَّمنا جميع المباني التي يعتمد عليها القول بجريان الاستصحاب في محل الكلام - أي سلَّمنا أنَّ موضوع الحكم هو احتمال الابتلاء، وأنكرنا الاشتراط الذي ذكره المحقق النائيني وأنه يكفي في جريان الاستصحاب أن يترتب عليه أثر عملي وإن لم يكن المستصحب حكماً شرعياً أو موضوعاً له حكم شرعي، وكذلك قلنا بقيام الاستصحاب مقام القطع الموضوعي - فمع ذلك لا يجري الاستصحاب، والسر فيه هو أنَّ جريانه على أساس ترتب الأثر عليه، وهذه الدعوى تبتني على دعوى حكومة دليل الاستصحاب على دليل وجوب التعلم، وتصوير الحكومة بأن يقال:

إنَّ دليل وجوب التعلم مُغيى بالعلم بعدم بالابتلاء، لأنه مع العلم بالابتلاء يجب التعلم، والاستصحاب يحرز عدم الابتلاء تعبداً، فيكون حاكماً على دليل وجوب التعلم، وهذا أثر عملي يترتب على جريان الاستصحاب، ولكن هذه الحكومة غير تامة، لأنها إنما تتم فيما لو كان الدليل المحكوم مقيداً بعدم العلم لفظاً كما في (كل شيء طاهر حتى تعلم أنه قذر) فإذا أحرز الاستصحاب العلم بالقذارة فيكون حاكماً على هذا الدليل، وأما إذا لم يكن كذلك وإنما يُستفاد التقييد به من حكم العقل بأنَّ الحكم الطريقي مقيد بالعلم فلا نُسلِّم الحكومة، ولذا لا يكون الاستصحاب حاكماً على دليل حجية الأمارة لأنه ليس مقيداً بعدم العلم بالخلاف لفظاً وإنما هو مقيد به عقلاً، لأنَّ الحكم الطريقي والظاهري لا يتصور مع العلم بالخلاف، فلابد من أن يكون مقيداً بعدمه، والمقام منها هذا القبيل لأنَّ دليل وجوب التعلم ليس مقيداً بعدم العلم بعدم الابتلاء لفظاً وإنما يُستفاد ذلك من حكم العقل بأنَّ وجوبه باعتباره وجوباً طريقياً لا يعقل ثبوته مع العلم بعدم الابتلاء، فيُقيد لا محالة بعدمه، وهذا التقييد ليس لفظياً فلا حكومة في المقام، فلا يجري الاستصحاب لعدم ترتب أثر عليه.

ومنه يظهر أنَّ كُلاً من القول بجريان الاستصحاب - باعتبار ترتب أثر عليه وإن لم يكن المستصحب حكماً ولا موضوعاً لحكم كما تقدم - والجواب عنه مبنيان على أنَّ موضوع وجوب التعلم هو احتمال الابتلاء، فالقائل بالجريان يقول بترتب أثر عليه باعتبار الحكومة كما عرفت، والجواب ينكر الحكومة لأنَّ دليل وجوب التعلم ليس مقيداً بعدم العلم بعدم الابتلاء لفظاً، وأما إذا قلنا أنَّ موضوع وجوب التعلم واقع الابتلاء فلا إشكال في إمكان جريان الاستصحاب لنفي هذا الموضوع تعبداً، وبالتالي نفي الحكم المترتب عليه، لأنَّ المستصحب حينئذٍ يكون موضوعاً له حكم شرعي، ولا حاجة الى تكلف وجود أثر يتوقف عليه باعتبار الحكومة.

ومنه يظهر أنَّ الصحيح عدم جريان الاستصحاب في المقام بناءً على ما هو الصحيح من أنَّ موضوع وجوب التعلم هو احتمال الابتلاء لا الابتلاء الواقعي، لأنَّ المستصحب حينئذٍ لا هو حكم شرعي ولا موضوع له حكم شرعي، ولا يترتب عليه أثر عملي بلحاظ الحكومة.

الى هنا يتم الكلام عن الشرط الأول من شروط جريان البراءة وهو وجوب الفحص.

وهناك شرطان آخران ذكرهما الشيخ الإنصاري في الرسائل نقلاً عن الفاضل التوني في كتابه الوافية:

الأول: أن لا يكون جريان البراءة مستلزماً لثبوت حكم إلزامي من جهة أخرى، ومثاله ما إذا علم إجمالاً بنجاسة أحد إناءين فإنَّ جريان البراءة في أحدهما يستلزم وجوب الاجتناب عن الآخر للعلم الإجمالي بوجوب الإجتناب عن أحدهما.

الثاني: أن لا يكون جريان البراءة موجباً للضرر على مسلم أو من هو بحكمه، ومثل له بما لو فتح قفص طائر فطار وأضر بالمالك فلا تجري البراءة هنا.

أما الشرط الأول فيمكن تخريجه بأحد أمرين:

الأول: دعوى أنَّ الأصل يكون مثبتاً فلا يكون حجة، وذلك لأنَّ ترتب وجوب الإجتناب عن أحد الإنائين على عدم وجوب الإجتناب عن الآخر الثابت بالبراءة ترتب عقلي مبني على القول بالأصل المثبت، فلا تجري البراءة.


logo