47/03/23
/ الشرائط المعتبرة في جريان البراءة/الأصول العملية
الموضوع: الأصول العملية/ الشرائط المعتبرة في جريان البراءة/
كان الكلام في الاعتراض الثاني الذي ذكره المحقق النائيني على جريان الاستصحاب، وحاصله:
أنَّ المعتبر في جريان الاستصحاب هو أن يكون المستصحب حكماً شرعياً أو موضوعاً لحكم شرعي، وقد يُعبر عنه بأن يكون المستصحب أثر شرعياً أو موضوع له أثر شرعي، وأما إذا كان له أثر شرعي لا يترتب على واقع المستصحب وإنما يترتب على الاحتمال فلا يجري الاستصحاب، وذلك كوجوب التعلم فهو أثر شرعي، ولكنه تارة يترتب على واقع الابتلاء، وأخرى يترتب على احتمال الابتلاء، وعلى كلا التقديرين لا يجري الاستصحاب، ومحل الكلام من هذا القبيل لأنَّ وجوب التعلم يثبت من باب وجوب دفع الضرر المحتمل بحكم العقل، وهو يترتب على احتمال الضرر فلا يجري فيه الاستصحاب، فلابد من الالتزام بوجوب التعلم.
والظاهر من كلامه أنه يثبت أنَّ مسألة وجوب التعلم داخلة في مسألة وجوب دفع الضرر المحتمل، ومن هنا صار موضوع وجوب التعلم الاحتمال لا واقع الضرر، ومن الواضح أنه ليس حكماً شرعياً، وأما أنه ليس موضوعاً لحكم شرعي فلما ذكره من أنَّ وجوب التعلم ليس موضوعه واقع الابتلاء وإنما هو احتمال الابتلاء.
ومن هنا يمكن القول أنه يمنع من جريان الاستصحاب في حالتين:
الأولى: ما إذا كان المستصحب ليس حكماً شرعياً ولا موضوعاً لحكم شرعي.
الثانية: ما إذا كان الأثر الشرعي يترتب على احتمال الشيء لا على واقعه.
ويجري الاستصحاب مع انتفاء كلا الأمرين، أي إذا كان المستصحب حكماً شرعياً أو موضوعاً لحكم شرعي، وكان الأثر مترتباً على الواقع لا على الاحتمال.
وبحسب نظره إنَّ محل الكلام يتحقق فيه كلا الأمرين المانعين من جريان الاستصحاب، فإنَّ الأثر في المقام لا يترتب على الواقع وإنما يترتب على الاحتمال، كما أنَّ الابتلاء ليس حكماً شرعياً ولا موضوعاً لحكم شرعي، لأنَّ الحكم الشرعي المتصور إثباته أو نفيه هو وجوب التعلم، وموضوعه هو احتمال الابتلاء لا واقع الابتلاء، فلا يجري الاستصحاب.
وأجاب السيد الخوئي عنه بأنه لا يعتبر في جريان الاستصحاب ما ذُكر، وإنما يكفي في جريانه ترتب الأثر العملي عليه، وبنى ذلك على قيام الاستصحاب مقام القطع الموضوعي، أي إذا أُخذ العلم موضوعاً لحكم شرعي من قبيل (إذا علمت بحياة ولدك فتصدق) فالموضوع وهو حياة الولد يثبت بالعلم الوجداني، فإذا قلنا بقيام الاستصحاب مقام القطع الموضوعي فيثبت الموضوع بالعلم التعبدي أيضاً فيمكن ترتيب وجوب التصدق عند استصحاب بقاء حياة الولد، ويقول قده بناء على ما هو التحقيق من قيام الاستصحاب مقام القطع الموضوعي فلا يشترط في جريان الاستصحاب أن يكون المستصحب حكماً شرعياً أو موضوعاً يترتب عليه الحكم الشرعي، بل يكفي أن يكون له أثر شرعي.
وأثر هذا الاستصحاب في محل الكلام هو إحراز عدم الابتلاء تعبداً، فيكون موجباً لخروج المورد عن أدلة وجوب التعلم لتحقق الغاية وهي العلم بعدم الابتلاء.
وبعبارة أخرى: موضوع حكم العقل بوجوب التعلم هو احتمال الابتلاء، وفي المقام نُحرز عدم الابتلاء تعبداً بالاستصحاب.
والظاهر من كلام السيد الخوئي أنَّه يُسلِّم أحد الأمرين وينكر الآخر، فهو يُسلِّم أنَّ وجوب التعلم موضوعه احتمال الابتلاء لا واقع الابتلاء، وإنما يناقش في الأمر الأول وهو هل يُشترط في جريان الاستصحاب أن يكون المستصحب حكماً شرعياً أو موضوعاً لحكم شرعي، ويقول أنه غير صحيح كما تقدم.
وحيث أنه يرى أنَّ الاستصحاب يقوم مقام القطع الموضوعي فيكون حاكماً على أدلة وجوب التعلم لأنه ينفي موضوعها نفياً تعبدياً، فيجري الاستصحاب لإثبات عدم وجوب التعلم.
واعتُرض على هذا الاستصحاب باعتراضين:
الأول: ما ذكره السيد الخوئي نفسه[1] ، حيث تأمل في جريانه في محل الكلام من جهة أخرى وهي لزوم تخصيص أدلة وجوب التعلم بالفرد النادر المستهجن عرفاً، وذلك لأنَّ الحالة الشائعة هي حالة احتمال الابتلاء، وأما حالة العلم أو الاطمئنان بالابتلاء فهي حالة نادرة، فلابد من القول بأنَّ أدلة وجوب التعلم تشمل حالة احتمال الابتلاء، وهذا ما يمنع من جريان الاستصحاب وذلك لدخول المورد في أدلة وجوب التعلم وهو يعني الحصول على دليل إجتهادي يثبت وجوب التعلم في حالة احتمال الابتلاء، ومع وجود الدليل اجتهادي لا تصل النوبة الى الاستصحاب.