47/03/22
/ الشرائط المعتبرة في جريان البراءة/الأصول العملية
الموضوع: الأصول العملية/ الشرائط المعتبرة في جريان البراءة/
استشكل السيد الخوئي في الحكم باستحقاق الجاهل العقاب في محل الكلام بخلاف الحكم بالصحة، إذ لا يمكن إنكارها بعد دلالة الروايات عليها، وأما استحقاق العقاب فلا يمكن الالتزام به، وعلله[1] بأنَّ الجاهل بوجوب القصر لو فرض أنه صلى قصراً وتأتى منه قصد القربة فلا يخلو من أحدى حالتين: إما أن يحكم بصحة صلاته ولا إعادة عليه بعد ارتفاع الجهل، وإما أن يحكم بفساد صلاته، ووجوب الإعادة بعد ارتفاع الجهل.
أما على الأولى فلا مناص من الالتزام بأنَّ الحكم الواقعي في حال الجهل هو التخيير بين التمام وبين القصر، فيجزئ الاتيان بالقصر كما يجزئ الاتيان بالتمام، أما الأول فبمقتضى إطلاق أدلة القصر، وأما الثاني فللنصوص الخاصة الحاكمة بالصحة، وعليه يكون الحكم الواقعي هو التخيير بينهما، ولا موجب للعقاب إذا جاء بأحد فردي التخيير.
وأما على الثانية فلا مناص من الالتزام بأنَّ الواجب تعييناً في حال الجهل هو التمام، بشهادة الحكم بفساد القصر بحسب الفرض، ومعه كيف يحكم باستحقاق العقاب على ترك القصر! فاستحقاق العقاب على كلا التقديرين مشكل.
ثم قال الصحيح هو الحالة الأولى أي الحكم بصحة صلاته، ولازمه الالتزام بأنَّ الواجب الواقعي في حال الجهل هو التخيير بين القصر والتمام، وإذا جاء بأحد الفردين فلا يستحق العقاب.
والدليل على صحة القصر هو التمسك بإطلاق أدلة وجوب القصر على المسافر، نعم لابد من رفع اليد عن ظهور الأمر بالقصر في التعيين بما دلَّ على إجزاء التمام ونلتزم بالتخيير بين القصر والتمام.
ولوحظ عليه:
أولاً: بأنَّ لازم التخيير الواقعي المذكور هو أنَّ المسافر الجاهل بوجوب القصر إذا ترك الصلاة رأساً ثم ارتفع جهله بعد خروج الوقت فهل يقضي الصلاة قصراً أم يتخير بين القصر والتمام؟ لا إشكال عندهم في وجوب القضاء قصراً، وهذا لا ينسجم مع فرض التخيير الواقعي، هذا منبه على عدم صحة ما ذكره.
ولكن يمكن التأمل في هذه الملاحظة وذلك لعدم وجود ملازمة بين أن يكون الحكم الواقعي في حال الجهل هو التخيير بين القصر والتمام وبين كفاية القضاء تماماً، وهذا من قبيل التخيير بين القصر والتمام في أماكن التخيير الأربعة فلو ترك الصلاة فيها ثم أراد قضاءها فيلزمه القضاء قصراً، فهذا شاهد على عدم الملازمة بين كون الواجب هو التخيير وبين الالزام بالقضاء تماماً.
ثانياً: إنَّ الالتزام بصحة القصر من المسافر الجاهل لا يلازم الوجوب التخييري، وأما الالزام بإجزاء التمام فيمكن تخريجه على أساس الأمر الترتبي كما عن الشيخ كاشف الغطاء، أو على أساس وجود الملاك والغرض كما عن المحقق الخراساني.
ثالثاً: لا وجه لرفع اليد عن ظهور الأمر بالقصر في التعيين على المسافر، وأما إجزاء التمام في حال الجهل فلا يقتضي الالتزام بالتخيير وإنما نلتزم به إما للأمر الترتبي أو لكفاية الملاك والغرض كما تقدم.
ثم إنه بعد الفراغ عن وجوب التعلم في الشبهات الحكمية، وبعد الفراغ عن كون التكليف منجَّزاً قبل الفحص، يقع الكلام في أنَّ وجوب الفحص والتعلم هل يختص بما يُعلم بدخوله في محل الابتلاء أو يُطمأن بذلك، أو لا يختص بذلك ويثبت حتى مع احتمال الابتلاء؟
نُسب الى المشهور الثاني، واستدل للأول باستصحاب عدم الإبتلاء، وهذا الاستصحاب بلحاظ الاستقبال فإذا صح فسوف يُحرز المكلف به عدم الابتلاء فلا يجب عليه التعلم، لأنَّ وجوبه طريقي يثبت مع احراز الابتلاء والاطمئنان به، ولا يثبت مع احراز عدمه.
وهناك اعتراضان على هذا الاستصحاب:
الأول: إنَّ أدلة الاستصحاب لا تشمل الحوادث الاستقبالية.
وأجابوا عنه: بأنَّ أدلة الاستصحاب عامة وتشمل الحوادث الماضية والمستقبلة، ولذا بنوا على صحة جريان الاستصحاب الاستقبالي، ويكفي في صحة الاستصحاب تقدم زمان المتيقن على زمان المشكوك، وهو حاصل في الأمور الاستقبالية.
الثاني: ما ذكره المحقق النائيني من أنه يعتبر في جريان الاستصحاب أن يكون المستصحب حكماً شرعي أو موضوعاً لحكم شرعي، ولا يجري فيما عدا ذلك، كما لا يجري إذا كان الأثر مترتباً على نفس الشك، وعلى هذا الأساس منع من جريان الاستصحاب لإثبات البراءة لإنها تثبت بمجرد الشك ولا يتوقف ثبوتها على إحراز عدم التكليف.