47/03/21
/ الشرائط المعتبرة في جريان البراءة/الأصول العملية
الموضوع: الأصول العملية/ الشرائط المعتبرة في جريان البراءة/
ذكرنا أنَّ عدم التمام هو من عدم المانع بالنسبة الى صلاة القصر، وعدم المانع من مقدمات وجود الشيء، فيكون عدم التمام من مقدمات وجود الواجب الواقعي، فيكون التمام حراماً ويقع فاسداً ولا يمكن التقرب به، وهذا ما لا يمكن الالتزام به، لكن ذلك لا يعني تعلق أمر شرعي مولوي بترك التمام باعتباره مقدمة للقصر الواجب، وإنما يعني تعلق المحبوبية به، وهي لا تنافي التقرب بالتمام، فيكون التمام محبوباً أيضاً لتعلق الأمر به في حال الجهل، مثلنا لذلك بالعبادات المكروهة.
وأما الوجه في ذلك فهو أنَّ محبوبية ترك التمام محبوبية غيرية لتوقف الاتيان بالواجب الواقعي عليه، وليست محبوبية نفسية حتى تنافي محبوبية الفعل، فيمكن أن يكون الفعل محبوباً لنفسه ويكون تركه محبوباً لغيره.
الوجه الرابع والأخير: هو أن يلتزم بأمرين أحدهما متعلق بالجامع بين القصر والتمام، والآخر يتعلق بأحد الفردين، كالقصر في محل الكلام، وأحد فردي الجامع - وهو التمام - يترتب على الجهل بالأمر بالثاني، وبناءً عليه يمكن تصحيح صلاة التمام بالإمر بالجامع، ويكون استحقاق العقاب على مخالفة الأمر الثاني من جهة ترك التعلم والفحص.
وهذا الوجه قريب مما ذكره المحقق الخراساني لحل هذا الاشكال، إلا أنه فرضه في عالم الملاكات والمفروض هنا التعدد في الخطاب فضلاً عن الملاك.
واعترض عليه بوجوه:
الأول: دعوى استحالة تعلق الأمر بالجامع مع تعلق أمرٍ آخر بأحد فرديه، وذلك باعتبار أنَّ الأمر بالجامع يقتضي الترخيص في تطبيقه على أي واحد من الفردين، وهذا ينافي الالزام بالفرد الثاني بمقتضى الأمر الثاني.
وبهذا الوجه أثبتوا وحدة الحكم في مثل (أعتق رقبة) و (أعتق رقبة مؤمنة) وذلك باعتبار المنافاة مع فرض تعدد الحكم، لأنَّ الثاني إلزام بعتق رقبة مؤمنة، بخلاف الأول الذي يقتض التخيير، وهذان أمران متنافيان، ولرفع هذا التنافي قالوا إنَّ الأمر هنا واحد وذلك بحمل المطلق على المقيد.
ويلاحظ عليه: بأنَّ الترخيص في تطبيق الجامع على كل واحد من الفردين - في مثال العتق - ليس ترخيصاً شرعياً ولا يعني الإذن في رفع اليد عن الأمر بالمقيد رأساً حتى ينافي الالزام بالفرد الآخر، بل يُراد به تحقق الامتثال بالجامع بكل واحد من الفردين، بمعنى أنَّ الأمر بالجامع لا مانع من تطبيقه على كل واحد من الفردين، وهذا لا ينافي الالزام بأحد الفردين بأمر آخر.
والحاصل: أنه يمكن فرض تعدد الحكم والأمر ويكون أحدهما متعلقاً بالجامع، ومقتضاه الترخيص في التطبيق على كل واحد من الفردين، فيكون ترخيصاً في التطبيق من ناحية هذا الأمر، أي أنَّ هذا الأمر ليس فيه ما يقتضي الالزام بأحد الفردين، ويكون الأمر الآخر متعلقاً بأحد الفردين ويقتضي الالزام به، ولا منافاة بين الأمرين.
الثاني: هو دعوى استحالة الأمر بالجامع من جهة لزوم اللغوية لعدم وجود محركية لهذا الأمر، وهذه اللغوية ثابتة بالنسبة الى الجاهل والعالم به، أما بالنسبة الى الجاهل به فعدم المحركية فيه واضح، وأما بالنسبة الى العالم به فلعدم إمكان امتثاله إلا من خلال الحصة الخاصة - وهي القصر - لأنَّ المفروض هو أنَّ الأمر بالتمام مقيد بالجهل بالأمر بالقصر، فلا أمر بالتمام مع الأمر بالقصر بالنسبة الى العالم، وحينئذٍ يلغو الإمر بالجامع، ويتعين أن يأمر بالقصر أولاً ثم يأمر بالتمام على تقدير الجهل بالأمر بالقصر.
ويلاحظ عليه: بأنَّ المفروض في محل الكلام هو أنَّ الأمر بالتمام مقيد بالجهل بالأمر بالقصر، وليس مقيداً بالجهل بالأمر بالجامع، ولو فرض ذلك لأمكن القول بأنَّ العالم بالأمر بالجامع لا يمكنه امتثاله إلا من خلال القصر فيكون الأمر بالجامع لغواً، لكن المفروض هو ما تقدم، فالصحيح أنه يمكن امتثال الأمر الجامع بالإتيان بالتمام إذا كان عالماً بالأمر بالجامع وجاهلاً بالأمر بالقصر، فلا يكون الأمر بالجامع لغواً.
الثالث: وهو ما ذكره السيد الخوئي في مقام الاعتراض على الترتب الذي ادعاه الشيخ كاشف الغطاء من لزوم تعدد العقاب، وذلك إذا ترك الجاهل الصلاة أصلاً، فيكون مخالفاً لأمرين الأمر بالجامع والأمر بالقصر، فيستحق عقابين وهذا لا يمكن الالتزام به، وهذا الاعتراض يصلح أن يكون اعتراضاً على هذا الوجه أيضاً.
ويلاحظ عليه: بما ذكرناه هناك من أنَّ تعدد العقاب ليس تابعاً لتعدد الأمر وإنما هو تابع لتعدد الغرض والملاك، والغرض في المقام واحد، وهو الغرض القائم بالصلاة، وهو قائم بالتمام في حال الجهل بالأمر بالقصر وعدم الاتيان بها، وإذا كان الغرض واحداً فلا موجب لتعدد العقاب.
هذه هي الوجوه التي ذكرت لحل هذا الاشكال، وقد تبيَّن أنَّ بعضها تام كالوجه الثالث والرابع بعد دفع الاعتراضات عنه.