« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ هادي آل راضي
بحث الأصول

47/03/20

بسم الله الرحمن الرحيم

/ الشرائط المعتبرة في جريان البراءة/الأصول العملية

الموضوع: الأصول العملية/ الشرائط المعتبرة في جريان البراءة/

 

كان الكلام فيما ذكره المحقق الخراساني لتوجيه فتوى المشهور بصحة الصلاة تماماً في موضع القصر، وهو وجه ثبوتي الغرض منه إثبات الامكان، وحاصله:

يمكن فرض اشتمال التمام على مصلحة ملزمة كما هو الحال في القصر، غاية الأمر أنَّ القصر يشتمل على زيادة في هذه المصلحة فتكون أهم، وافترض بأنَّ المصلحتين متضادتان، بمعنى أنَّ المكلف إذا استوفى أحدهما فلا يمكنه إستيفاء الأخرى، فإذا صلى تماماً لا يجب عليه إعادة القصر حتى لو ارتفع جهله في داخل الوقت لإنه لا يتمكن من استيفاء مصلحة القصر بعد استيفاء مصلحة التمام، وعليه إذا صلى تماماً في حال الجهل وقعت صحيحة لاشتمالها على المصلحة التامة، وهذا يكفي في عبادية العبادة وصحتها، ولا يتوقف على الأمر بها حتى يقال لا أمر بالتمام، هذا بلحاظ الصحة، وأما استحقاق العقاب فعلى تفويت المصلحة الأهم بترك الفحص والتعلم، وبهذا يمكن توجيه ما ذهب إليه المشهور.

واعتُرض عليه باعتراضات نذكر الأهم منها:

الأول: ما ذكره السيد الخوئي في مصباح الأصول[1] ، وحاصله المناقشة في دعوى التضاد بين المصلحتين، فإنَّ التضاد إنما يكون بين الأفعال وأما التضاد بين الملاكات مع إمكان الجمع بين الأفعال فهو أمر موهوم، والمقام منه إذ لا تضاد بين الأفعال لأنَّ الترتب بين القصر والتمام إنما يلحظ بالنسبة الى الصلاة ولا تضاد بين الصلاة قصراً والصلاة تماماً لإمكان الجمع بينهما، ومعه كيف يمكن إثبات التضاد بين الملاكات!

والتعليق عليه:

الظاهر إنَّ عدم التضاد بين الأفعال لا يكشف بالضرورة عن عدم التضاد بين الملاكات ولا ملازمة بينهما، بل من الممكن افتراض عدم التضاد بين الأفعال مع التضاد بين الملاكات، فكل منهما محتمل، ومثلوا له بأمثلة عرفية منها الشبع المترتب على أكل الطعام فهو مصلحة تترتب على الأكل اللذيذ وعلى غيره، ولا تضاد بين الأفعال لإمكان الجمع بينهما، ولكن إذا أكل أحدهما وتحققت المصلحة منه - وهي الشبع - فلا يتمكن من استيفاء المصلحة من خلال الآخر، وهذا يعني وجود التضاد بين هذين الملاكين.

ومنها سقي الأرض فتارة يحصل بماء نقي وأخرى بماء مشوب، فإذا استوفى إحدى المصلحتين وهي ري الأرض فلا يتمكن من استيفاء الأخرى، ولا تضاد بين الفعلين لإمكان الجمع بينهما مع التضاد بين الملاكين، فالاستبعاد الذي ذكره في غير محله.

الاعتراض الثاني: وهو ما ذكره في الكفاية[2] ، وحاصله:

إنَّ التوجيه المذكور للفتوى يستلزم أن يكون التمام مانعاً من الاتيان بصلاة القصر، وإذا كان كذلك كان حراماً، لأنَّ عدم المانع من مقدمات حصول الشيء، أي من مقدمات حصول صلاة القصر عدم الصلاة تماماً فيكون واجباً، وإذا وجب عدم التمام فالتمام يكون حراماً، فكيف يُتقرب بالصلاة تماماً ويحكم بصحتها! بل ذلك يستلزم الحكم ببطلان الصلاة تماماً في حال الجهل، وهذا ما لا يمكن الالتزام به إذ لا إشكال في صحتها كذلك.

وبعبارة أخرى: إنَّ صلاة التمام سبب في تفويت الواجب الواقعي الأهم وهو صلاة القصر، وما يكون كذلك يكون حراماً، وإذا كان حراماً كان فاسداً، للملازمة الواضحة بين حرمة العبادة وبين فسادها، ولكن لا يمكن الالتزام بهذه النتيجة.

وأجاب بنفسه عنه: بأنَّ القصر والتمام وإن كان من الضدين لكن عدم أحد الضدين ليس من مقدمات وجود ضده، فليس عدم التمام مقدمة للقصر، فلا يكون العدم واجباً حتى يكون التمام حراماً، فيقال لا يمكن التقرب به فيقع باطلاً.

والحاصل: إنَّ فعل التمام ليس سبباً لعدم القصر لما ذُكر في بحث الضد من أنَّ وجود الضد لا يتوقف على عدم ضده، وإنما هما متلازمان، وعليه فلا ننتهي الى عدم إمكان التقرب بالصلاة تماماً.

ويلاحظ عليه: بأنَّ الترتب بين القصر والتمام إنما يلحظ بالنسبة الى الصلاة فما ذكره من التضاد غير مُسلَّم، نعم التضاد المدعى في هذا الوجه إنما هو بين المبادئ، فلو سلَّمنا ذلك وسلَّمنا مقدمية عدم التمام لتحقق مصلحة القصر لكن القول بوجوب مقدمة الواجب لا يعني افتراض تعلق أمر شرعي مولوي بالمقدمة حتى يقال إنه يقتضي أن يكون التمام حراماً، وإنما يعني تعلق المحبوبية بها لتوقف الواجب عليها، وإذا كانت المقدمة محبوبة للمولى فلمَ تقع فاسدة! بل يمكن التقرب بها نظير العبادة المكروهة فإنَّ تركها محبوب وفعلها كذلك، فيمكن التقرب بها، فهذا الاعتراض غير وارد أيضاً.


logo