47/03/16
/ الشرائط المعتبرة في جريان البراءة/الأصول العملية
الموضوع: الأصول العملية/ الشرائط المعتبرة في جريان البراءة/
الجواب الثالث: لو سلَّمنا إمكان الترتب لكن لا دليل على وقوعه في محل الكلام، فالقول في الترتب فيه يكون قولاً بلا دليل، وهذا بخلافه في موارد التزاحم - كالإزالة والصلاة - فإنَّ القول بالترتب فيها هو مقتضى إطلاق دليل المهم بلا حاجة الى ضم دليل آخر.
ويلاحظ عليه: إنَّ المُسلَّم عند الجميع هو صحة العمل المأتي به في حال الجهل لدلالة الروايات عليه، وإنما الكلام في إمكانه وكيفية تصويره، فإذا قلنا بإمكان الترتب كان دليل صحة العمل بنفسه دليلاً على وقوع الترتب، إذ لا يمكن تخريج الحكم بالصحة إلا عن طريق الترتب، فيقال في المقام إنَّ المكلف يؤمر بما جاء به على تقدير ترك الواجب الواقعي.
الجواب الرابع: ما في مصباح الاصول[1] ، وحاصله: إنَّ لازم القول بالترتب في محل الكلام هو الالتزام بتعدد العقاب عند ترك الصلاة رأساً، لأنَّ الواجب عليه شيئان الصلاة قصراً والصلاة تماماً على تقدير ترك القصر، ومقتضى وجود أمرين هو تعدد العقاب عند مخالفتهما وهذا ما لا يمكن الالتزام به.
ويلاحظ عليه: بأنَّ الظاهر أنَّ وحدة العقاب وتعدده ليس تابعاً بالضرورة لوحدة الأمر وتعدده، بل هو تابع للغرض وتعدده فإن تعدد الغرض تعدد العقاب، فإذا فوت المكلف أغراضاً لزومية متعددة فبطبيعة الحال يتعدد العقاب، وأما إذا كان الغرض واحداً فلا يتعدد العقاب حتى مع فرض تعدد التكليف بالنحو الذي فُرض في الترتب.
يتبين مما تقدم عدم تمامية الوجه الثاني ويكفي رده الجواب الأول للمحقق النائيني.
الوجه الثالث هو ما طرحه المحقق الخراساني في الكفاية[2] ، وحاصله:
يمكن أن يكون المأتي به في حال الجهل - وهو التمام - مشتملاً على مصلحة ملزمة، ويكون الواجب الواقعي مشتملاً على تلك المصلحة وزيادة، وإذا استوفى المكلف المصلحة القائمة بالتمام صار عاجزاً عن تدارك المصلحة الزائدة الموجودة في القصر، وبناءً عليه يكون الحكم بالصحة على القاعدة لأجل اشتماله على المصلحة الملزمة، والمفروض أنه لا يتمكن من استيفاء الزيادة في صلاة القصر، وأما استحقاق العقاب فلأجل فوات المصلحة الزائدة المستند إليه من جهة ترك الفحص والتعلم.
أقول: الظاهر من كلاماتهم أنَّ التمام مأمور به ولذلك حكموا بصحته، فإنَّ صحة العبادة عندهم ينحصر توجيهها بالأمر بها، ومن هنا ينشأ الإشكال لأنَّ التمام إذا كان مأموراً به وكان مشتملاً على المصلحة الملزمة الواقعية فلماذا يستحق المكلف العقاب؟
فكأن المحقق الخراساني ينكر هذه الملازمة وأنَّ الصحة في العبادة لا ينحصر منشؤها في تعلق الأمر بها، بل تتحقق إذا كانت العبادة تشتمل على ملاك تمام ومصلحة ملزمة، وإن لم يؤمر بها لوجود المانع وهو أنَّ الأمر بها يستلزم تفويت المصلحة الأهم القائمة في الواجب الواقعي الذي هو القصر في المثال، إذن كُلاً من القصر والتمام حال الجهل بوجوب القصر مشتمل على مصلحة تامة ملزمة لكن مصلحة القصر أهم، وحيث أنَّ المصلحتين متضادتان - أي أنه مع استيفاء أحدهما لا يمكنه استيفاء الأخرى - تعلق الأمر بالقصر فقط لكون مصلحته أهم، ولم يؤمر بالتمام لأنَّ المكلف لا يتمكن من استيفاء كلتا المصلحتين للتضاد، وعليه إذا جاء بالتمام في حال الجهل بوجوب القصر كانت صلاته صحيحة لاشتمالها على الملاك التام والمصلحة الملزمة، وعرفتَ أنَّ هذا يكفي عنده لصحة عبادية العبادة، ولا يجب عليه القصر بعد ذلك حتى إذا ارتفع جهله في داخل الوقت لعدم تمكنه من استيفاء مصلحة القصر بعد أن استوفى مصلحة التمام، ويستحق العقاب إذا كان تاركاً للفحص عن تقصير على تفويت الواجب الواقعي ذي المصلحة الأهم.