« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ هادي آل راضي
بحث الأصول

47/03/15

بسم الله الرحمن الرحيم

/ الشرائط المعتبرة في جريان البراءة/الأصول العملية

الموضوع: الأصول العملية/ الشرائط المعتبرة في جريان البراءة/

 

كان الكلام في مسألتي الجهر والإخفات والقصر والإتمام وأنَّ من جاء بأحدهما جهلاً وخالف الواقع صح منه العمل، لكنه يستحق العقاب، والظاهر أنه لا كلام في صحة العمل لدلالة الروايات على ذلك، وإنما الكلام في كيفية تخريج ذلك مع الالتزام باستحقاق العقاب على مخالفة الواقع كما عليه المشهور.

تقدم الكلام عن الوجه الثاني المنقول عن الشيخ كاشف الغطاء القائل بالترتب، والجواب الأول عنه بما ذكره المحقق النائيني قده وحاصله: أنه يشترط في دخول المسألة في باب الترتب أن يكون خطاب المهم مشروطاً بعصيان الأهم، كما في مثال الازالة والصلاة، فهذا الخطاب يمكن أن يصل الى المكلف ويكون محركاً له، لكن تطبيقه في محل الكلام مشكل لأنَّ الجاهل بوجوب القصر لا يمكن خطابه بــــ (إن عصيتَ وجوب القصر وجب عليك التمام) لأنه إن كان ملتفتاً الى عصيانه الأمر بالأهم فيخرج عن كونه جاهلاً فلا يشمله الدليل، لأنَّ موضوعه الجاهل بوجوب القصر، وإن لم يكن ملتفتاً الى عصيانه فكذلك لأنه يكون معتقداً بوجوب التمام، فلا يرى نفسه عاصياً فلا يحركه خطاب الترتب ولا يراه متوجهاً إليه، فعلى كلا التقديرين لا يمكن أن يتوجه خطاب الترتب الى هذا المكلف ولا يحركه فيكون محالاً.

وقد يُسأل: ما هو الفرق بين هاتين المسألتين من جهة وبين موارد الترتب من جهة أخرى، وهل يمكن أن يقال في تلك الموارد بما تقدم، فيقال في مورد الازالة والصلاة بأنَّ المكلف إن كان ملتفتاً الى الأمر بالإزالة فيخرج عن كونه جاهلاً فلا يشمله الخطاب، وإن لم يكن ملتفتاً الى الأمر بالإزالة فهو معتقد بوجوب الصلاة عليه، ومعه لا يتوجه إليه الخطاب، أو لا يمكن ذلك وما هو الفرق بينهما؟

والجواب: لم يُفترض في موارد الترتب الجهل وإنما فُرض في هذه المسألة، ولا يمكن الجمع بين الجهل بالأمر بالقصر وبين عصيانه، فيأتي فيه ما تقدم، وأما في موارد الترتب فلم يفرض الجاهل موضوعاً له، بل قد يكون عالماً بوجوب الإزالة ومع ذلك يتركها عناداً وعصياناً فيأتي خطاب الترتب لإثبات وجوب الصلاة عليه.

وناقش السيد الخوئي فيما ذكره المحقق النائيني من فرض العصيان في الأمر الترتبي - وكأنه يُسلم بأنَّ أخذ العصيان قيداً يرد عليه هذا الاشكال - وذكر أنَّ الأمر الترتبي يمكن أن يُقيد بالترك دون العصيان فيمكن أن يتوجه الى هذا المكلف وأن يكون محركاً له، والسر فيه هو إمكان التفات المكلف الى أنه ترك القصر، فيقول الخطاب الترتبي له: أيها الجاهل بوجوب القصر إذا تركت القصر وجب عليك التمام، ولا يكون جعل هذا الخطاب محالاً.

 

ويلاحظ على هذا الاعتراض:

أولاً: بما أشرنا إليه من أنَّ الخطاب الترتبي مجعول في حق الجاهل بوجوب القصر، وهو المعتقد بوجوب التمام، فيكون الخطاب تجاهه: أيها المعتقد بوجوب التمام يجب عليك التمام! هذا لغو، لأنه إن تحرك عن اعتقاده فالخطاب لا فائدة منه وإن لم يتحرك عن اعتقاده فلا يتحرك عن هذا الأمر أيضاً.

وثانياً: إنَّ تبديل القيد من العصيان الى الترك لا يحل الإشكال، وذلك لأنَّ الأمر بالتمام في الخطاب الترتبي مشروط بترك القصر، فإذا وصل إليه هذا الخطاب: (يجب عليك التمام بشرط أن تترك القصر)، فسوف يلتفت الى أنَّ الوظيفة الأولية في حقه هي القصر فيصبح عالماً بوجوب القصر ويخرج عن موضوع الخطاب الترتبي.

فيبدو إلى هنا أنَّ الاعتراض غير وارد، فالجواب الذي ذكره المحقق النائيني على الوجه الثاني تام، بمعنى أنَّ فكرة الترتب لا يمكن تطبيقها في محل الكلام لحل إشكال الجمع بين صحة العمل المأتي به في حال الجهل وبين استحقاق العقاب على المخالفة.

الجواب الثاني: وهو أيضاً للمحقق النائيني، وحاصله:

إنَّ مسألة الترتب يشترط فيها أن تكون بين الضدين الذين لها ثالث كما بين الازالة والصلاة، وذلك لأنَّ الضدين الذين لا ثالث لهما - كالحركة والسكون - لا يصح فيهما الترتب لأنه يكون من طلب الحاصل، إذ مفاد الأمر الترتبي هو: (إذا لم تتحرك فاسكن)، والحال أنه إذا ترك الحركة فهو ساكن لإنهما لا يرتفعان، وأما إذا كانا من الضدين الذين لهما ثالث فترك أحدهما لا يستلزم تحقق الآخر، والمقام من هذا القبيل لأنَّ الجهر والإخفات ليس لهما ثالث لهما فلا يعقل فيهما فكرة الترتب، وهكذا الكلام في القصر والتمام.

واعترض عليه بأنَّ الترتب ليس بين الجهر والإخفات وإنما هو بين القراءة الجهرية وبين القراءة الاخفاتية، وبين الصلاة قصراً والصلاة تماماً، وهذان من الضدين الذين لهما ثالث وهو ترك القراءة وترك الصلاة، فترك القراءة الاخفاتية لا يستلزم تحقق القراءة الجهرية لوجود ضد ثالث لهما، وهكذا الكلام في الصلاة قصراً وتماماً.

أو يقال إنَّ الترتب بين الصلاة الجهرية وبين الصلاة الاخفاتية فترك الأولى لا يستلزم تحقق الثانية، فليسا من الضدين الذين لا ثالث لهما لإمكان ارتفاعهما، وعلى كلا التقديرين لا مانع من تطبيق فكرة الترتب عليهما بلحاظ هذا الشرط.

logo