46/11/26
/ الشرائط المعتبرة في جريان البراءة/الأصول العملية
الموضوع: الأصول العملية/ الشرائط المعتبرة في جريان البراءة/
كان الكلام في أنَّ وجوب الفحص هل يختص بالبراءة أم يشمل جميع الأصول المؤمِّنة النافية للتكليف، تقدم الحديث عن الاستصحاب وانتهينا الى أصالة الطهارة، فهل يُشترط في جريانها عند الشك بنحو الشبهة الحكمية الفحص أو لا يُشترط ذلك، فيجوز إجراؤها قبل الفحص؟
الظاهر أنه يجري فيها ما يجري في الاستصحاب، بمعنى أنَّ ما تقدم من الوجوه الدالة على اعتبار الفحص في جريان الاستصحاب النافي للتكليف هي بنفسها تجري في اعتبار الفحص في جريان أصالة الطهارة، وهي:
الوجه الأول: ما تقدم من أنَّ طريقة الشارع وديدنه في مقام تبليغ أحكامه هو أنه يجعلها في معرض الوصول، فما يصدر منه من الأصول المؤمِّنة لا تشمل ما قبل الفحص، إذ لا يمكن الجمع طريقة الشارع في تبليغ أحكامه وبين صدور خطاب من الشارع بالبراءة قبل الفحص، ومعه يثبت وجوب الفحص، وهو المطلوب.
أقول: إنَّ هذا الوجه كما يجري في أصالة البراءة فكذلك يجري في أصالة الطهارة فإنها حكم من الأحكام الشرعية، وديدن الشارع هو أن يجعل أحكامه في معرض الوصول، فلا تشمل حالة ما قبل الفحص وتختص بما بعده.
الوجه الثاني: وهو اهتمام الشارع بنشر أحكامه وحث الناس على تعلمها، وهذا الوجه لو كان محتملاً فيكون من باب احتمال وجود القرينة المتصلة المانعة من انعقاد الاطلاق، بناءً على أنَّ احتمال وجود القرينة كاحتمال قرينية الموجود كل منهما يوجب الاجمال، فيمنع من شمول أدلة البراءة لما قبل الفحص، وذلك لأنَّ اهتمام الشارع يتنافى مع ترخيصه في اجراء البراءة قبل الفحص، فلا بد من اختصاص أصالة الطهارة بما بعد الفحص، فإنَّ طهارة الاشياء من جملة الأحكام التي اهتم الشارع بنشرها وحث الناس على تعلمها.
الوجه الثالث: هو أخبار التعلم وهي تنافي الترخيص في اجراء الأصل المؤمِّن قبل السؤال ومنها أصالة الطهارة.
نعم قد يقال - في خصوص هذا الوجه - بأنَّ النسبة بين أخبار التعلم وبين دليل أصالة الطهارة هي نسبة العموم والخصوص من وجه، وذلك باعتبار أنَّ إطلاق دليل أصالة الطهارة يقتضي عدم وجوب التعلم حتى قبل الفحص، وأخبار التعلم تدل على وجوب التعلم مطلقاً - أي تعلم احكام الطهارة وغيرها- ومادة الاجتماع هي الشبهة من حيث الطهارة والنجاسة بنحو الشبهة الحكمية قبل الفحص، فاطلاق دليل أصالة الطهارة يشمل حالة ما قبل الفحص، واخبار التعلم تأمر بالتعلم والفحص في مطلق الأحكام ومنها محل الكلام، فيتعارضان في محل الكلام ويتساقطان، فلا يمكن تقديم أخبار التعلم على دليل أصالة الطهارة.
وجوابه: أولاً: إنَّ دخول المقام في باب التعارض مع عدم المرجح وسقوط كل منهما لا يؤثر في النتيجة، فمع ذلك يثبت المطلوب وهو عدم إمكان اجراء أصالة الطهارة قبل الفحص.
وثانياً: إنَّ لسان أخبار التعلم هو أنَّ الشك قبل الفحص ليس مؤمِّناً، وكأنه ناظر الى جميع الأصول المؤمِّنة وأنها لا تجري قبل الفحص، أي يكون حاكماً عليها ومانعاً من جريانها قبل الفحص، ومن الواضح أنَّ الدليل الحاكم يتقدم على الدليل المحكوم بملاك النظر حتى لو كانت النسبة بينهما هي العموم من الوجه، ومعه تختص الأصول المؤمِّنة بما بعد الفحص ومنها أصالة الطهارة.
هذا تمام الكلام في مقدار الفحص الواجب.
استحقاق التارك للفحص للعقاب وعدمه
الكلام في أنَّ العمل بالأصول المؤمِّنة قبل الفحص ما هو حكمه من حيث العقاب وعدمه؟
ذكر في فوائد الأصول أنَّ الأقوال في المسألة ثلاثة[1] :
القول الأول: ما نُسب الى المشهور من عدم استحقاقه للعقاب، وإنما العقاب على مخالفة الواقع، ولا ملازمة بين ترك الفحص وبين مخالفة الواقع كما هو ظاهر.
القول الثاني: ما نُسب الى المحقق الأردبيلي وتبعه عليه - ظاهراً - صاحب المدارك من استحقاقه للعقاب مطلقاً، سواءً وافق عمله الواقع أو خالفه.
القول الثالث: ما اختار المحقق النائيني من استحقاقه العقاب لا مطلقاً، بل عند أدائه الى مخالفة الواقع.
وفرق الثالث عن الأول هو أنَّ العقاب على الثالث يكون على نفس ترك التعلم عند مخالفة العمل للواقع، وفي الأول يكون العقاب على نفس مخالفة الواقع.
والبحث يقع في أنَّ وجوب الفحص في الشبهة الحكمية هل هو وجوب طريقي بداعي تنجيز الواقع عند الاصابة فلا يترتب العقاب على تركه إلا إذا أدى الى مخالفة الواقع أم هو وجوب نفسي فيعاقب العبد على تركه ولو لم يؤدِ الى مخالفة الواقع؟
الظاهر إنَّ هذا هو مبنى الأقوال السابقة، فإنه إن كان وجوب التعلم والفحص طريقياً فإنَّ العقاب يكون على ترك الواقع، وإن كان نفسياً يكون العقاب على نفس ترك التعلم كما يعاقب على ترك الواجبات النفسية الأخرى، ثم إنَّ هذا الكلام يسري في التارك للاحتياط في موارد وجوبه.
ثم إنَّ محل الكلام هو وجوب تعلم المكلف الأحكام الشرعية الفرعية، وأما وجوب تعلم المسائل العقائدية في أصول الدين فلا إشكال في كونه نفسياً فيكون خارجاً عن محل الكلام، كما أنَّ وجوب تعلم الإحكام الشرعية عن تفقه واجتهاد لا إشكال في أنَّ وجوبه كفائي فيكون خارجاً عن محل الكلام، لأنَّ محل الكلام في وجوب تعلم الأحكام الشرعية الفرعية لا عن تفقه واجتهاد وعلى نحو الوجوب العيني.
والظاهر من كلماتهم في أنه لا إشكال ولا كلام بينهم في ترتب العقاب على العمل بالبراءة قبل الفحص في الجملة، وإنما الكلام يقع في أنه متى يترتب العقاب هل يترتب على مخالفة الواقع أم على ترك الفحص؟