46/11/19
/ الشرائط المعتبرة في جريان البراءة/الأصول العملية
الموضوع: الأصول العملية/ الشرائط المعتبرة في جريان البراءة/
كان الكلام في وجوب الفحص في الشبهات الموضوعية، حيث انتهينا الى أنَّ الدليل لا يساعد على وجوب الفحص فيها، بمعنى أنه يمكن التمسك بالبراءة قبل الفحص في الشبهات الموضوعية بخلاف الشبهات الحكمية.
فالصحيح هو جريان البراءة قبل الفحص، والسر فيه هو تحقق موضوع البراءة وهو عدم البيان، والمقصود منه هو عدم البيان على الحكم الفعلي المنجَّز الذي يتحقق بوصول الكبرى والصغرى، ومع عدم وصوله كذلك يقبح العقاب عليه.
قد يقال: إنَّ البيان المتقدم جارٍ في الشبهة الحكمية، غاية الأمر أنَّ المكلف فيها جاهل بالكبرى وعالم بالصغرى، بعكس الشبهة الموضوعية، فلم يتم عنده البيان على الحكم الشرعي المنجَّز، فيتحقق موضوع البراءة، بلا فرق بينهما.
وجوابه: إنَّ البيان الذي فُرض عدمه هو البيان الواصل، لأنَّ المفروض جهله بالحكم الشرعي الكلي وعدم وصوله إليه، وأما البيان على الحكم الشرعي الكلي الذي يكون في معرض الوصول بحيث لو فحص عنه لعثر عليه فلم يُفرض عدمه في الشبهة الحكمية، بل يحتمل وجود مثل هذا البيان قبل الفحص، وقد عرفتَ سابقاً أنَّ موضوع القاعدة هو عدم البيان الأعم من البيان الواصل وما هو في معرض الوصول، ومن الواضح أنَّ المكلف في الشبهة الحكمية قبل الفحص لا يُحرز هذا الموضوع لاحتمال وجود بيان على الحكم الكلي في معرض الوصول، فلا يُحرز حينئذٍ تحقق موضوع البراءة، فلا تجري قبل الفحص في الشبهة الحكمية، والسر فيه هو أنَّ طريقة الشارع مبنية على جعل الأحكام الشرعية في معرض الوصول، ولذا لا يكون المكلف معذوراً بنظر العقل إذا ترك الفحص وخالف الواقع بإجراء البراءة، وهذا بخلاف الموضوعات فإنَّ الشارع ليس مسؤولاً عن بيان الموضوعات وإيصالها إليه، بل أمرها متروك للمكلف فإذا لم يعلم بها كفى ذلك في عدم تنجُّز الحكم الكلي المتعلق بها.
فتبين أنَّ الصحيح وفاقاً للمحققين هو جواز إجراء البراءة قبل الفحص في الشبهات الموضوعية.
استدراك المحقق النائيني:
نعم ذكر المحقق النائيني أنَّ الفحص وإن لم يكن واجباً في الشبهات الموضوعية لكنه يكون واجباً في حالتين:
الحالة الأولى: ما إذا توقف امتثال التكليف غالباً على الفحص، كما إذا كان موضوع التكليف من الموضوعات التي لا يحصل العلم بها عادة إلا بالفحص، كالاستطاعة بالنسبة الى الحج، والنصاب بالنسبة الى الزكاة، وزيادة الربح عن مؤونة السنة بالنسبة الى الخمس، ويقابله ما لا يتوقف امتثال التكليف فيه على الفحص بأن يكون الموضوع من الموضوعات التي يحصل العلم بها من دون فحص، فلا يتوقف امتثال التكليف فيها على الفحص، كوجود الماء في وجوب الوضوء، والبلوغ في وجوب الصلاة، أو الطهارة من الحيض بالنسبة الى الصلاة، واستدل عليه بلزوم الوقوع في مخالفة التكليف كثيراً، وحينئذٍ يمكن دعوى الملازمة العرفية بين تشريع مثل هذه الأحكام وبين إيجاب الفحص وإلا يلزم اللغو في تشريع مثل هذا الحكم.
الحالة الثانية: ما إذا كانت مقدمات العلم بالموضوع حاصلة بحيث لا يحتاج العلم بالموضوع إلا الى أمر بسيط كالنظر في الأفق مثلاً، فهنا لا يمكن إجراء البراءة قبل الفحص، كما لا يجري استصحاب الحالة السابقة أيضاً كبقاء الليل بالنسبة الى الصوم، واستدل عليه بعدم صدق الفحص على مجرد النظر حتى يُحكم بعدم وجوبه، وإنما يصدق الفحص بتمهيد مقدمات العلم التي لا تكون حاصلة.
وكأنه يريد القول إنَّ هذا المكلف بحكم العالم بالموضوع فلا يكون معذوراً، فيتنجَّز عليه الحكم ولا يجوز له أجراء البراءة.
جواب السيد الخوئي:
أما الحالة الأولى فالكبرى وإن كانت مسلَّمة إذ لا إشكال في أنَّ امتثال التكليف إذا كان متوقفاً على الفحص غالباً أو دائماً فيجب فيه الفحص إلا أنَّ انطباقها على الأمثلة التي ذكرها ممنوع.