« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ هادي آل راضي
بحث الأصول

46/11/15

بسم الله الرحمن الرحيم

/ الشرائط المعتبرة في جريان البراءة/الأصول العملية

الموضوع: الأصول العملية/ الشرائط المعتبرة في جريان البراءة/

 

كان الكلام في الوجه الثالث لإثبات اختصاص أدلة البراءة بما بعد الفحص ومنع اطلاقها لما قبل الفحص، وهو ما ذكره السيد الخوئي وحاصله:

إنَّ بعض أخبار التوقف واردة في الشبهة قبل الفحص، وهي أخص مطلقاً من أدلة البراءة فتخصصها، فتُحمل أدلة البراءة على ما بعد الفحص وتكون أخص مطلقاً من أخبار التوقف المطلقة فتحمل أخبار التوقف المطلقة على ما قبل الفحص، ونصل الى النتيجة التالية: لا بد من التوقف قبل الفحص وعدم إجراء البراءة، وأما بعد الفحص فتجري البراءة لاختصاص أخبار البراءة بما بعد الفحص، فيثبت المطلوب.

والتعليق عليه:

الحديث الذي أُبرز كمثال لأخبار التوقف التي تكون نصاً في الشبهة قبل الفحص وهو قوله عليه السلام: (..فأَرجهِ حتى تَلقى إمامَكَ...)[1] ، فتارة نقول إنَّ الشبهة قبل الفحص هي مورد للحديث والقدر المتيقن منه فقط فيكون مدلوله هو ثبوت التوقف في الشبهة قبل الفحص لا أكثر، وأخرى نقول أنه ينفي التوقف في الشبهة بعد الفحص علاوة على إثبات التوقف قبل الفحص.

فعلى الأول - كما هو غير بعيد – نقول: إنَّ كون ما قبل الفحص مورداً وقدراً متيقناً للدليل لا يُبرر تقديمه على أدلة البراءة بالأخصية، لأنه لا يكون أخص منها بمجرد كون ما قبل الفحص مورداً له، بل يبقى على اطلاقه ولا يكون منافياً لأخبار التوقف الأخرى ويكون حاله حالها، أي أنَّ النسبة بينه وبين أدلة البراءة هي التباين كالنسبة بين سائر أخبار التوقف المطلقة وبين أخبار البراءة، وعليه يقع التعارض بينهما، ولا وجه لتخصيص أدلة البراءة بما بعد الفحص ومنع جريانها قبل الفحص، فهذه دعوى غير تامة من جهات:

أولاً: لأنها تبتني على كبرى انقلاب النسبة ولا نؤمن بها.

وثانياً: لأنَّ الحديث لا يوجب تخصيص أدلة البراءة لأنه ليس أخص منها، بل النسبة بينهما هي التباين كما عرفت.

وثالثاً لأنَّ أخبار التوقف إذا تمت سنداً ودلالة تكون مقدمة على بعض أخبار البراءة بالأخصية من قبيل حديث الرفع، فإنَّ أخبار التوقف مختصة بالشبهات الحكمية وحديث الرفع يجري حتى في الشبهات الموضوعية، فتُقدم عليه بالتخصيص فيحمل حديث الرفع على الشبهات الموضوعية، وأما الشبهات الحكمية فالعمل فيها يكون بأخبار التوقف التي تشمل ما قبل الفحص وما بعد الفحص، فلا بد من الالتزام بوجوب التوقف مطلقاً في الشبهات الحكمية، وتخصيص حديث الرفع بالشبهات الموضوعية، وهذا ما ينتج عكس المدعى.

هذا كله بناءً على أنَّ الشبهة قبل الفحص هي مورد لهذا الحديث والقدر المتيقن منه، وأما إذا قلنا بأنَّ الحديث نص في الشبهة قبل الفحص ومختص بها فهو كما يُثبت وجوب التوقف فيها ينفيه فيما عداها، فيأتي فيه ما ذكره السيد الخوئي، لأنَّ الحديث يكون أخص مطلقاً من أخبار البراءة لأنه يثبت وجوب التوقف قبل الفحص بينما أخبار البراءة تثبت البراءة مطلقاً فيكون أخص مطلقاً منها فيخصصها، فتختص أخبار البراءة بما بعد الفحص، وحينئذٍ تنقلب النسبة بين أخبار التوقف وبين أدلة البراءة من التباين الى العموم المطلق فتكون أخبار البراءة المختصة بما بعد الفحص أخص مطلقاً من أخبار التوقف فتتقدم عليها بالتخصيص وتحمل أخبار التوقف على ما قبل الفحص فيثبت المطلوب.

وهذا وإن كان لا يرد عليه الاشكال الثاني أي الموردية، إلا أنَّ الاشكال الأول - أي كونه مبني على كبرى انقلاب النسبة - وارد عليه، وكذا الاشكال الثالث - وهو أنَّ اخبار التوقف إذا تمت فهي أخص مطلقاً من حديث الرفع لأنه يشمل الشبهات الحكمية والموضوعية بينما تختص أخبار التوقف بالشبهات الحكمية فتُقدم عليه بالأخصية ويحمل حديث الرفع على الشبهات الموضوعية وأما الحكمية فينبغي العمل بأخبار التوقف فيها قبل الفحص وبعده – وارد عليه.

ومن هنا يظهر أنَّ الوجه الثالث لإثبات وجوب الفحص غير تام.

ملاحظة أخرى:

ويلاحظ على هذا الاستدلال أيضاً بأنَّ موضوع أخبار التوقف هو (الشبهة) وهي تعني كل ما يُشتبه حكمه، فإذا قلنا أنَّ المراد منها هو ما يشتبه حكمه الأعم من الواقعي والظاهري فلا بد من تقديم أدلة البراءة، لأنها ترفع موضوع هذه الأخبار حقيقة وتتقدم عليها بالورود، فلا مجال لإخبار التوقف في المقام.

فتبين مما تقدم عدم تمامية الوجه الثالث، وكذلك الوجه الأول المبني على العلم الإجمالي، ولكن يبدو أنَّ الوجه الثاني - وهو الاستدلال بأخبار التعلم والفحص- تام، ويكون مانعاً من اطلاق أدلة البراءة، مضافاً الى قصور المقتضي إذا تمت بعض الوجوه المتقدمة لإثباته.

النتيجة: الصحيح هو وجوب الفحص في الشبهات الحكمية وعدم جواز الرجوع الى البراءة قبل الفحص.

ويشهد لذلك هو أننا إذا لم نلتزم بوجوب الفحص فإنه يعني أنَّ إطاعة الاحكام الشرعية تكون مرهونة بالاتفاق والصدفة، خصوصاً مع علم المولى بعدم حصول هذا الاتفاق كما هو الحاصل بالنسبة الى معظم هذه الأحكام، ومن الواضح أنَّ هذا يؤدي الى فوات هذه الأحكام ويُعد تفويتاً لها بما لها من الملاكات.

والحاصل أنه مع ندرة علم المكلف بالأحكام الشرعية من دون فحص وحصوله بالاتفاق والصدفة يكون ترخيص المكلف في ترك الفحص وترك السؤال وإجراء البراءة فيها مستهجناً عرفاً لكونه مؤدياً الى تفويت تلك الإحكام الشرعية بما لها من الملاكات.

الى هنا يتم الكلام عن وجوب الفحص في الشبهة الحكمية، ثم يقع الكلام في الشبهة الموضوعية فهل يجب الفحص فيها أو لا.


logo