46/11/13
/ الشرائط المعتبرة في جريان البراءة/الأصول العملية
الموضوع: الأصول العملية/ الشرائط المعتبرة في جريان البراءة/
كان الكلام في الاعتراض الثاني وهو ما ذكره المحقق العراقي، وانتهينا الى الملاحظات عليه، وكان حاصل الملاحظة الأولى هو أنه يلزم إخراج الشبهة البدوية عن أدلة وجوب الفحص فتختص بالشبهة المقرونة بالعلم الإجمالي، لكنه خلاف ظاهرها، لأنَّ ظاهرها هو أنَّ وجوب الفحص ثابت بنكتة عدم معذورية الجاهل لا بنكتة منجزية العلم الاجمالي.
الملاحظة الثانية: لو سلَّمنا ظهور هذه الأدلة في الإرشاد الى حكم العقل بوجوب الفحص لكن الظاهر أنها في مقام الإرشاد الى حكم عقلي فعلي بوجوب الاحتياط والفحص لا الحكم العقلي التعليقي المرفوع بجريان البراءة، وإلا كانت ارشاداً الى حكم عقلي لا وجود له، لأنَّ أدلة البراءة تكون رافعة له، وهذا لا معنى له.
الاعتراض الثالث: وهو ما حُكي المحقق العراقي أيضاً، وحاصله[1] :
إنَّ هذه الأخبار قاصرة عن إفادة تمام المطلوب لأنها ظاهرة في الاختصاص بصورة يكون الفحص فيها مؤدياً الى العلم بالواقع، في حين أنَّ المطلوب هو ما يعم ذلك وما لم يكن الفحص مؤدياً الى العلم بالواقع.
ولعل مراده هو أنَّ المأخوذ في هذه الأدلة هو انكشاف الحال وأداء الفحص الى العلم بالواقع، أي أنه على تقدير الفحص يصل المكلف الى الواقع وينكشف له الحال، فالمأمور به هو الفحص المؤدي الى انكشاف الواقع، وحيث أنَّ هذا غير معلوم للمكلف فالتمسك بهذه الأخبار لإثبات وجوب الفحص يكون تمسكاً بالعام في الشبهة المصداقية له، وهو غير جائز بالاتفاق لأنَّ الدليل لا ينقح موضوعه.
والحاصل: إنَّ أخبار وجوب التعلم واردة في مورد يتمكن فيه المكلف من تعلم الحكم الشرعي بأن تكون هناك أمارة في معرض الوصول بحيث لو فحص عنها لعثر عليها، وعليه لا يمكن التمسك بهذه الأخبار في مورد الشك في إمكان التعلم بالفحص لأنه تمسكٌ بالعام في الشبهة المصداقية له.
وفيه:
أولاً: إنَّ هذه الأخبار مفادها هو عدم معذورية الجاهل قبل الفحص، فلا بد من الفحص أولاً وبعده يكون الجهل عذراً، وهذا يعني أنَّ الموضوع لوجوب الفحص هو الجهل وعدم العلم، فمتى ما كان جاهلاً لم يكن معذوراً، وهذا لا يستلزم أخذ الانكشاف الواقعي أو وجود أمارة في معرض الوصول في موضوع وجوب التعلم حتى يقال إنَّ التمسك بهذه الأدلة مع الشك في الانكشاف أو مع الشك في وجود الأمارة يكون شكاً في العام في الشبهة في الشبهة المصداقية له.
ثانياً: يوجد في أخبار وجوب التعلم ما يكون مطلقاً وشاملاً لصورة الشك في انكشاف الحال بالسؤال مثل معتبرة مسعدة بن زياد المتقدمة.
نعم الآية الشريفة ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ لا إطلاق فيها وذلك لأنَّ المراد من أهل الذكر بحسب ما نعتقده هم الأئمة عليهم السلام وبسؤال الامام يحصل التعلم ويُحرز الحكم الشرعي، فهي تدل على وجوب الفحص ولكن لا إطلاق فيها لصورة الشك.
الاعتراض الرابع: أنَّ مفاد هذه الروايات هو الإخبار عن ترتب العقاب على مخالفة الواقع عند ترك الفحص والتعلم، وهذا يستلزم أن يكون الحكم المشكوك منجَّزاً في مرتبة سابقة، وإلا لما كان معنى للفراغ عن ترتب العقاب والإخبار عنه في هذه الروايات، وعليه فلا تتكفل هذه الروايات تنجيز الواقع قبل الفحص بحيث تكون مانعة من اجراء البراءة قبل الفحص، بل تختص بالموارد التي يثبت فيها المنجِّز على الواقع من علم إجمالي ونحوه، فلا تشمل محل الكلام وهو الشبهات البدوية.