46/11/06
/ الشرائط المعتبرة في جريان البراءة/الأصول العملية
الموضوع: الأصول العملية/ الشرائط المعتبرة في جريان البراءة/
تقدم أنَّ المحقق النائيني حاول تصوير عدم جريان العلم الإجمالي وبالتالي لا يجوز الرجوع الى البراءة قبل الفحص، خلافاً لصاحب الكفاية الذي صوَّر انحلال العلم الإجمالي وجواز الرجوع الى البراءة قبل الفحص.
اعتُرض على كلام المحقق النائيني باعتراضات:
الاعتراض الأول ما في مصباح الأصول[1] ، وحاصله :
إنَّ هذا الكلام إنما يتم ويمنع من انحلال العلم الإجمالي إذا كان المعلوم بالإجمال - الذي له علامة وتميُّز - لم يكن مردداً بين الأقل والأكثر، ويمثل له بالعلم الاجمالي بوجود إناء نجس بين أواني محصورة كعشرة مثلاً، مع علم اجمالي آخر بنجاسة إناء زيد الموجود في ضمن هذه الآنية وهذا العلم له تميُّز وهو عنوان (إناء زيد) فإذا فرضنا أنَّ المكلف علم تفصيلاً بنجاسة هذا الاناء فلا يكون ذلك موجباً لانحلال العلم الاجمالي الثاني الذي يكون لمعلومه علامة وتميُّز لعدم كون المعلوم بالتفصيل معنوناً بذلك العنوان أي (إناء زيد) وفي مثله يتم كلام المحقق النائيني.
وأما إذا كان ما له العلامة والتميُّز مردداً بين الأقل والأكثر كما إذا كان (إناء زيد) مردداً بين الأقل والأكثر ثم علمنا بالتفصيل بكون إناء معين هو (إناء زيد) فهنا ينحل العلم الإجمالي الثاني ويكون الشك في نجاسة غيره شكاً بدوياً فيمكن الرجوع فيه الى البراءة.
ثم يقول ومحل الكلام من هذا القبيل لأنَّ التكاليف المعلومة بالإجمال بعنوان أنها (في الكتب المعتبرة) مرددة بين الأقل والأكثر فإذا ظفرنا بعد الفحص بالمقدار المتيقن فينحل العلم الإجمالي الى علم تفصيلي بهذا المقدار وشك بدوي في الباقي فيجوز الرجوع فيها الى البراءة، خلافاً لما يقوله المحقق النائيني.
ويلاحظ عليه: إنَّ المحقق النائيني افترض أنَّ ما له العلامة والتميُّز مردد بين الأقل والأكثر، ومع ذلك ادعى أنَّ العلم به لا ينحل بالعثور على مقدار المتيقن والعلم به تفصيلاً، لما تقدم من أنَّ الشك والتردد بين الأقل والأكثر يقع في مقدار موضوع القضية المتيقنة، فهو متأخر عن القضية المتيقنة، وأنَّ العلم في مرتبة حدوثه ليس فيه شك لأنه متعلق بالعنوان الواقعي على واقعه وهذا ليس فيه شك، والمقام من هذا القبيل فالمكلف يعلم بوجود أحكام إلزامية في الكتب المعتبرة وفي هذه المرتبة لا يوجد شك وتردد أصلاً، فتتنجز عليه تلك الإحكام بوجوداتها الواقعية بعنوان أنها (في تلك الكتب المعتبرة) فيجب عليه تحصيلها بالفحص، وكل حكم إلزامي مشكوك في أي شبهة يكون طرفاً لهذا العلم الإجمالي فيجب الاحتياط والفحص، أما التردد بين الأقل والأكثر فهو في مقدار تلك الأحكام الالزامية الموجودة في هذه الكتب والمنجَّزة عليه فلا يكون العثور على المقدار المتيقن موجباً لانحلال العلم الإجمالي لاحتمال أن يكون الحكم الالزامي في الشبهة موجوداً في تلك الكتب المعتبرة ومما دلت عليها الامارة المعتبرة فيها، والمفروض أنَّ جميع الإحكام الالزامية الموجودة في تلك الكتب المعتبرة منجَّزة عليه بهذا العنوان.
الاعتراض الثاني ما ورد في منتقى الأصول[2] وحاصله:
إنَّ ما ذكره المحقق النائيني من الإشكال على صاحب الكفاية إنما يتم في ما إذا كان الفرد المعلوم بالتفصيل غير معلوم المصداقية للعنوان المعلوم بالإجمال، كما إذا علم بأنَّ (إناء زيد) نجس واشتبه بغيره من الأواني ثم عثر على إناءٍ نجسٍ لا يعلم أنه إناء زيد أو لا ، فإنه لا ينحل العلم الإجمالي الذي استلزم تنجيز التكليف المتعلق بإناء زيد ، وأما إذا كان الفرد المعلوم بالتفصيل من أفراد العنوان المعلوم بالإجمال فهذا يوجب الانحلال، لأنَّ العلم الاجمالي بالعنوان وإن أوجب تنجَّزه لكنه إنما ينجُّزه بما له من الأفراد المعلومة لا غير، فإذا فحص وعثر على مقدار من أفراده يُحتمل أنها تمام أفراده ينحل العلم الإجمالي إذ لا علم بتكليف زائد على أكثر مما عثر عليه، فتكون سائر الاطراف مجرى للأصل المؤمِّن، والمقام من هذا القبيل إذ التكاليف المعلومة بعد الفحص معلومة بعنوان أنها تكاليف واقعية لا بعنوان آخر.
ويلاحظ عليه: أنَّ المفروض في إشكال المحقق النائيني هو تنجُّز جميع أفراد العنوان الواقعي لا خصوص الأفراد المعلومة ، لأنَّ المفروض أنه يعلم بحرمة جميع أفراد العنوان ، ففي مثال الغنم يكون كل فرد من الغنم (البيض) واقعاً قد تنجزت حرمة أكله على المكلف ، فإذا ترددت (البيض) بين الأقل والأكثر فإنه بعد الفحص والعثور على المقدار المتيقن منها لا يكون ذلك موجباً للانحلال وجريان البراءة قبل الفحص في الأفراد المشكوكة الزائدة على المتيقن، بل لا بد من الفحص عن كل فرد مشتبه يُحتمل كونه مما تنجَّز عليه من الغنم (البيض) ، وهذا نظير ما إذا علم بنجاسة جميع ثيابه وحصل له شك في أنها ثلاثة أو أربعة فإنَّ شكه وتردده إنما هو في مقدار ثيابه التي علم بنجاستها قطعاً لا في نجاسة جميع ثيابه ، فإذا فحص وعثر على ثلاثة ثياب من ثيابه نجسة فإنَّ الفرد وإن كان لا علم بكونه من ثيابه التي علم بنجاستها لكنه يحتمل ذلك ، والمفروض أنه يجب عليه اجتناب جميع ثيابه الواقعية حتى إذا استلزم ذلك اجتناب ما يشك في كونه منها لأجل تحصيل الموافقة القطعية لما تنجَّز عليه.