« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ هادي آل راضي
بحث الأصول

46/10/22

بسم الله الرحمن الرحيم

 حكم الزيادة العمدية والسهوية في المركبات الاعتبارية/ أصالة الاحتياط /الأصول العملية

الموضوع: الأصول العملية/ أصالة الاحتياط / حكم الزيادة العمدية والسهوية في المركبات الاعتبارية

 

كان الكلام في جريان الاستصحاب عند الشك في القاطعية بنحو الشبهة الحكمية ويلحق بها الشبهة الموضوعية أي الشك في وجود القاطع ، وقد ذكر الشيخ أنه لا مانع من جريان الاستصحاب هنا لأنَّ الشك في القاطعية يعني الشك في بقاء الهيئة الاتصالية بعد اليقين بوجودها فيجري استصحابها.

وقلنا أنه يُفهم من كلامه أنه يستكشف اعتبار الهيئة الاتصالية من التعبير عن بعض الأمور بالقاطع ، كما يستكشف القاطعية من كون الشيء مبطلاً حتى إذا وقع في السكونات المتخللة بين أجزاء الصلاة.

وبقطع النظر عن ذلك يمكن أن يلاحظ على جريان هذا الاستصحاب بأنَّ الهيئة الاتصالية تعني اعتبار الشارع الاتصال في أجزاء المركب بحيث يكون عدم القاطع مأخوذاً فيها، فإذا حصل القاطع يكون موجباً لرفع الاتصال المعتبر شرعاً في المركب، وهذا الاتصال إذا كان معتبراً فهو معتبر بين جميع أجزاء المركب فإذا حصل القاطع أوجب عدم حصول الاتصال المعتبر شرعاً بين جميع أجزاء المركب فتنتفي الهيئة الاتصالية من أول الأمر، وذلك لأنَّ عدم القاطع المعتبر في الاتصال إنما هو بلحاظ جميع الأجزاء فهي هيئة اتصالية واحدة بين جميع الأجزاء والقاطع يرفعها فالشك في القاطع يعني الشك في وجود الهيئة الاتصالية من أول الأمر، فلا يقين سابق بها حتى يجري الاستصحاب، وعليه إذا أتى بما يشك في قاطعيته كان ذلك شكاً في تحقق الهيئة الاتصالية وحدوثها بالنسبة الى الأجزاء السابقة فكيف يجري استصحابها مع الشك وعدم حصول اليقين ؟!

أقول: لا إشكال في اشتراط عدم القاطع في الهيئة الاتصالية لكن الكلام يقع في أنَّ المستفاد من دليل القاطع هو أخذ عدمه بنحو الشرط المتأخر أو أخذه بنحو الشرط المقارن ؟ وهذه هي نكتة النزاع ، فإذا قلنا أنه مأخوذ على نحو الشرط المتأخر فيكون حصوله في الإثناء موجباً لرفع الهيئة الاتصالية من البداية، والإشكال في جريان الاستصحاب مبني عليه، وإذا قلنا أنه مأخوذ على نحو الشرط المقارن فتتحقق الهيئة الاتصالية بلحاظ الأجزاء السابقة، وعليه بُني القول بجريان الاستصحاب، والبيان الذي ذكرناه يؤيد الوجه الأول، فإنَّ الشارع اعتبر الاتصال بلحاظ أجزاء المركب جميعاً، فهي هيئة اتصالية واحدة للمركب بلحاظ جميع أجزائه، فالقاطع يكون موجباً لانتفاء الهيئة الاتصالية من البداية.

ثم ما هو الدليل على الوحدة الاتصالية المعتبرة في الصلاة ، هل هو ما دلَّ على اعتبار الموالاة بمعنى عدم وقوع الفصل الطويل بين الجزء والجزء الذي يليه ؟

الظاهر إنَّ المقصود من الهيئة الاتصالية ليس هو اشتراط الموالاة.

وهل نتعقل للهيئة الاتصالية معنى غير المانع ؟

قد يقال إنه لا يوجد معنى للقاطع غير ما نفهمه من المانع، بل من المحتمل رجوع القاطع الى المانع وذلك باعتبار أنَّ المانع إذا حصل بعد المركب يكون رافعاً وناقضاً له كالحدث بعد اتمام الوضوء، وأما إذا حصل في الإثناء فيكون رافعاً للاستعداد القائم بالأجزاء السابقة للانضمام الى الأجزاء اللاحقة وتكوين المركب فيكون قاطعاً بينها وبين الأجزاء اللاحقة، وهذا المعنى يرجع الى المانع من تكوين المركب.

هذا تمام الكلام في أصالة الاشتغال، وقد تقدم الكلام في أصالة البراءة، وفي ذيل البحث عن هذين الأصلين تكلموا عن الشرائط المعتبرة في جريان هذه الأصول، والكلام يقع أولاً في ما يعتبر في العمل بالاحتياط، وثانياً في الشرائط المعتبرة في جريان البراءة ، فالكلام في مقامين:

المقام الأول في الشرائط المعتبرة في العمل بالاحتياط:

ذكروا إنه لا يعتبر في العمل بالاحتياط إلا تحقق موضوعه وهو احتمال التكليف، وهو موضوع لحكم العقل بالحسن لإدراك الواقع به، والشرائط التي تُذكر لجريان الاحتياط يمكن إرجاعها جميعاً الى شرائط تحقق الموضوع، بمعنى عدم تحقق الاحتياط من دون هذه الشرائط، فمن ذلك أن لا يكون الاحتياط مخالفاً للاحتياط من جهة أخرى، وهو يعني أنَّ ما فرض كونه احتياطاً ليس كذلك لاحتمال أن يكون ما يريده الشارع موافقاً للاحتياط الثاني.

ومن ذلك أن لا يكون الاحتياط موجباً لاختلال النظام، وهذا أيضاً يمكن ارجاعه الى شرط تحقق موضوع الاحتياط بتقريب أنَّ الاحتياط الذي يريده الشارع لا يحصل بما يوجب اختلال النظام المبغوض عنده.

فإذا تم ذلك فلا يعتبر في العمل بالاحتياط أكثر من تحقق موضوعه، وهو ينتج حُسن الاحتياط عقلاً كما تقدم.

نعم ذكر المحقق النائيني قده أنَّ الاحتياط إذا كان على خلافه حجة كما لو قامت الحجة على وجوب صلاة الجمعة في زمان الغيبة والاحتياط يقتضي الاتيان بالمحتمل الآخر وهو صلاة الظهر ففي هذه الحالة لا بد من الاتيان بما قامت عليه الحجة أولاً ثم يحتاط بالإتيان بالمحتمل الآخر ولا يجوز العكس، وعلل ذلك بناءً على مسلكه في الطريقية بأنَّ دليل اعتبار الحجة مفاده الغاء احتمال الخلاف عملاً ، ومن الواضح أنَّ العمل أولاً برعاية احتمال المخالفة – أي بالاحتياط – والاتيان بما يقتضيه ينافي الغاء احتمال الخلاف، بل هو اعتناء باحتمال الخلاف عملاً ، وأما إذا عكس فجاء بما تقتضيه الحجة فقد ألغى احتمال الخلاف عملاً فإذا جاء ثانياً بما يقتضيه الاحتياط فلا يكون ذلك اعتناء باحتمال الخلاف.

ويمكن أن يقال إنَّ مفاد أدلة الحجية التي تثبت للطرق والأمارات هو لزوم العمل بمفاد الحجة ، وهو يعني عدم جواز الاقتصار على ما يخالف الحجة في مقام العمل ، ولا دلالة فيها على ما هو أكثر من ذلك ، فالمهم هو العمل بالحجة وأما الاتيان بما يقتضيه الاحتياط أولاً أو ثانياً فلا يتعرض له دليل الحجية.

المقام الثاني في الشرائط المعتبرة في جريان البراءة:

أهم الشرائط التي وقع الكلام فيها هو وجوب الفحص عن الحجة على التكليف قبل اجراء البراءة، والكلام في وجوب الفحص لإجراء البراءة يقع أولاً في الشبهات الحكمية وثانياً في الشبهات الموضوعية، والكلام في الثاني يكون بعد الفراغ عن وجوب الفحص في الشبهات الحكمية، أما إذا قلنا أنه لا يجب الفحص في الشبهات الحكمية فيثبت بالأولوية عدم وجوب الفحص في الشبهات الموضوعية.

logo