« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ هادي آل راضي
بحث الأصول

46/10/20

بسم الله الرحمن الرحيم

 حكم الزيادة العمدية والسهوية في المركبات الاعتبارية/ أصالة الاحتياط / الأصول العملية

الموضوع: الأصول العملية/ أصالة الاحتياط / حكم الزيادة العمدية والسهوية في المركبات الاعتبارية

 

نقلنا عن الشيخ الأنصاري قده رأيه أنَّ مقتضى الأصل عند الشك في المانعية والمبطلية عند الاتيان بالجزء مرة ثانية هو البراءة وذلك لأنَّ المقام يدخل في كبرى دوران الأمر بين الأقل والأكثر.

ثم قال هل يمكن جريان استصحاب الصحة المتقينة أو لا، وعلى تقدير جريانه هل يكون حاكماً على البراءة ومانعاً من جريانها بالرغم من توافقها في النتيجة أو لا ؟

فعلى ضوء ذلك نتكلم في بعض ما ذكره الشيخ وهي أمور:

الأول في حكومة الاستصحاب على البراءة على تقدير جريانه.

الثاني في جريان الاستصحاب عند الشك في المانعية والمبطلية، وهو ما انكره الشيخ.

الثالث في جريان الاستصحاب عند الشك في القاطعية، وهو ما التزم به الشيخ.

أما الأمر الأول فقد ذهبت مدرسة المحقق النائيني قده الى حكومة استصحاب الصحة على أصالة البراءة بالرغم من توفقهما، وهذا الكلام صار محلاً للمناقشة في المبنى وفي البناء، فالمناقشة من جهتين:

الجهة الأولى هي منع الحكومة في فرض التوافق، أي إنما تثبت الحكومة مع التخالف وحينئذٍ يقدم الاستصحاب على البراءة، والسر في ذلك هو أنَّه مع التخالف تكون الحكومة واضحة لأنَّ دليل البراءة مقيد بعد العلم بالحرمة فيكون العلم بالحرام رافعاً لموضوع دليل البراءة، فإنَّ البراءة بجميع أسنتها مقيدة بعدم العلم بالخلاف، وهذا يعني أنَّ العلم بالخلاف يرفع موضوع البراءة ، والاستصحاب يوجب العلم بالخلاف ولو ظاهراً ، وأما على تقدير التوافق فالحكومة غير واضحة لأنَّ دليل البراءة غير مقيد بعدم العلم بالوفاق ، وإن كان الحكم الظاهري مقيد بعدم العلم بالواقع - أعم من كونه بالخلاف أو بالوفاق - لكن الحكومة شيء آخر فإنها جمع عرفي بين الأدلة وذلك عندما يؤخذ في موضوع الدليل المحكوم أمراً يكون الدليل الحاكم رافعاً له، وهذا واضح مع التخالف وأما مع التوافق فلم يؤخذ عدم العلم بالوفاق في موضوع الحلية فلا مجال لدعوى الحكومة في فرض التوافق ، وعليه لا بد من التفريق بين المتخالفين فيمكن فيهما دعوى الحكومة وبين المتوافقين فلا مجال فيهما لهذه الدعوى.

هذا مضافاً الى أنَّ التعميم لفرض التوافق يلزم منه محاذير منها تخصيص الدليل المحكوم بفرض نادر جداً ، ففي باب الطهارة إذا كان استصحاب النجاسة حاكماً على قاعدة الطهارة وكان استصحاب الطهارة الموافق للقاعدة مقدماً عليها أيضاً فتختص قاعدة الطهارة بفرض نادر وهو فرض عدم العلم بالحالة السابقة كما في مسألة العلم بتوارد الحالتين وهو فرض نادر الوقوع ، وهذا المحذور لا يلزم في فرض المخالفة، هذه هي الملاحظة الأولى.

الملاحظة الثانية: إنَّ الحكومة إنما نلتزم بها عندما يكون ظرف جريان الاستصحاب هو نفس ظرف جريان البراءة كما إذا شككنا في نجاسة شيء معلوم الطهارة سابقاً فظرف جريان قاعدة الطهارة هو نفس ظرف جريان الاستصحاب، وأما مع فرض تعدد الظرف لكل منهما بأن كان ظرف جريان الاستصحاب متقدماً على ظرف جريان البراءة فهنا يُستشكل في جريان الحكومة - حتى لو سلَّمنا جريان الاستصحاب في حالة التوافق - وذلك باعتبار أنَّ استصحاب الصحة في محل الكلام يجري بعد الاتيان بالجزء الزائد بينما البراءة عن مانعية الزائد ظرفها هو قبل الاتيان بالجزء الزائد وهنا لا معنى للحكومة ، والسر فيه هو عدم جريان الاستصحاب في ظرف جريان البراءة فإذا جرت البراءة في ظرفها - قبل الاتيان بالجزء الزائد، ولا يمنع من جريانها الاستصحاب لعدم جريانه بحسب الفرض في ذلك الظرف - كان مقتضى جريان البراءة نفي مانعية الجزء الزائد قبل الاتيان به وحينئذٍ لا يبقى شك في الصحة بعد الاتيان به حتى يجري الاستصحاب لقيام الدليل الشرعي على عدم المانعية والتأمين من ناحيته في مرحلة سابقة أي في ظرف ما قبل الاتيان بالجزء الزائد فلا مجال للحكومة.

هذا كله في الأمر الأول.

الأمر الثاني جريان الاستصحاب عند الشك في المانعية

وقد منع الشيخ قده منه كما تقدم، والوجه فيه هو ما بيَّنه من أنَّ الصحة المتيقنة الثابتة للأجزاء السابقة لا يُراد بها الصحة الفعلية ، ومعنى هذا أنَّ صحة كل جزء من أجزاء المركب منوطة بصحة سائر الأجزاء ، وعليه صحة الأجزاء السابقة معلقة على صحة الأجزاء اللاحقة وليس لها صحة فعلية غير معلقة ، وعليه لا يمكن إجراء استصحاب الصحة الفعلية للأجزاء السابقة ، فلا بد أن يُراد استصحاب الصحة المعلقة التأهيلية التي يُعبر عنها بقولنا: إنَّ هذه الأجزاء لو لحقتها الأجزاء اللاحقة بتمام ما هو معتبر فيها لكانت صحيحة ، وحينئذٍ لا يجري هذا الاستصحاب لأنه استصحاب تعليقي، ولما ذكره الشيخ من أنه لا شك في القضية التعليقية حتى بعد الاتيان بما يشك في كونه مانعاً وذلك للقطع بالقضية التعليقية، بل حتى لو قطعنا بأنَّ الجزء الزائد مانع من صحة الصلاة فمع ذلك الصحة التعليقية لا شك بها.

والحاصل إنَّ بطلان الصلاة على تقدير كون الجزء الزائد مانعاً لا ينافي الصحة التعليقية للأجزاء السابقة، وهي مقطوع بها ولا مجال لجريان الاستصحاب فيها.

logo