46/10/17
حكم الزيادة العمدية والسهوية في المركبات الاعتبارية/ أصالة الاحتياط / الأصول العملية
الموضوع: الأصول العملية/ أصالة الاحتياط / حكم الزيادة العمدية والسهوية في المركبات الاعتبارية
حكم الشك في مانعية الاتيان بالجزء مرة ثانية:
وهذا العنوان لم يؤخذ فيه عنوان (الزيادة) حتى يقع الكلام في صدقها وتحققها، أما الشك فهو يرجع الى الشك في اشتراط عدم تكرار الجزء، أي هل يكون تكرار الجزء مانعاً من صحة الصلاة أو لا؟
وهذا يعني أنَّ المقام يدخل في كبرى دوران الأمر بين الأقل والأكثر وهو من الشك في الشرطية، فهل الصلاة مشروطة بعدم الزيادة - وهو الأكثر - أو غير مشروطة بذلك - و هو الأقل - فيكون من قبيل الشك في الجزئية ويكون مجرى للبراءة بناءً على ما هو الصحيح من أنَّ الأصل الجاري في دوان الأمر بين الأقل والأكثر مطلقاً – أي سواءً كانا استقلاليين او ارتباطيين – هو البراءة لنفي وجوب الأكثر.
كلام الشيخ الأنصاري قده:
أشار الشيخ الأنصاري الى امكان الاستدلال على الصحة بالاستصحاب وذلك باعتبار أنَّ العبادة قبل هذه الزيادة كانت صحيحة فإذا جاء المكلف بالجزء الزائد وشك في الصحة أمكن أن يستصحب الصحة المتيقنة سابقاً المشكوكة لاحقاً ، بل قد يُجعل حاكماً على البراءة ورافعاً لموضوعها وإن كانا متوافقين.
هذا ما ذكره - لا في مقام التبني له - ثم أجاب عنه بما حاصله:
أنَّ المستصحب هل هو صحة المجموع أم هو صحة الأجزاء السابقة على الجزء الزائد ؟
أما الأول فلا معنى له لعدم تحقق المجموع أصلاً فإنَّ الكلام في حصول الزيادة في الاثناء فلا تحقق للمجموع حتى يُشك في صحته.
وأما الثاني فلا إشكال في صحة الأجزاء السابقة بحسب الفرض ولكن لا يجري الاستصحاب أيضاً وذلك لأنَّ المقصود بصحة الأجزاء أحد معنيين:
الأول: أنها بمعنى مطابقتها للأمر المتعلق بها.
الثاني: أنها بمعنى ترتب الأثر عليها، أي حصول المركب بها لو انضمت إليها الأجزاء اللاحقة في مقابل بطلان أحد الأجزاء فلا يترتب الأثر عليها لو انضمت إليها باقي الأجزاء.
والاستصحاب لا يجري على كلا المعنيين، والسر فيه هو أنَّ الصحة على كلا المعنيين ثابتة حتى بعد عروض الزيادة فلا شك فيها حتى يجري فيها الاستصحاب، أما على المعنى الأول فلأنَّ الاجزاء مطابقة لأوامرها حتى بعد عروض الزيادة عليها، وأما على المعنى الثاني فهي وقعت بنحو لو انضمت إليها الأجزاء اللاحقة لتحقق المركب المأمور به فلا شك في المقام حتى يجري فيه الاستصحاب، وهذا هو الظاهر من عبارته (لا جدوى من جريان الاستصحاب) وذلك لأنَّ المفروض القطع بصحة الأجزاء السابقة على كلا المعنين.
ثم اختار التفصيل بين القاطع والناقض من جهة وبين المانع من جهة أخرى، وذكر أنَّ الاستصحاب يجري في القاطع والناقض ولا يجري في المانع، والوجه فيه هو أنَّ الواجب المركب من أجزاء يمكن تصوره على نحوين:
الأول: أن يكون له هيئة اتصالية معتبرة قائمة باجتماع الأجزاء.
الثاني: أن لا يكون كذلك بل ليس في البين إلا نفس الأجزاء المجتمعة من دون أن يكون لها هيئة اتصالية معتبرة.
وهذان النحوان يمكن تصورهما في المركبات الاعتبارية وذلك بأن يكون الملاك الذي اقتضى تعلق الأمر بالمركب قائم إما بذوات الأجزاء أو بالأجزاء بما لها من هيئة اتصالية خاصة ، فإذا أمر الشارع بنحو الأول فيأمر به من دون ملاحظة الهيئة الاتصالية فلا قاطع له، وإذا أمر بالنحو الثاني فيأمر به مع اعتبار الهيئة الاتصالية كسائر الأجزاء.
نعم لا إشكال في أنَّ اعتبار الهيئة الاتصالية في المركب بحاجة الى دليل يدل عليه وإلا فلا أمر إلا بذوات الأجزاء، وهذا من قبيل الأمر بالحج والوضوء فالأمر فيهما بالأجزاء فقط وإن كانت على نحو الترتيب إلا أنه لا يعني اعتبار الهيئة الاتصالية بين الأجزاء، ومن هنا يختلفان عن الصلاة فإنَّ لها هيئة اتصالية معتبرة دلَّ عليها الدليل وذلك عن طريق التعبير بالقاطع عن بعض الأفعال إذا وقعت بين الأجزاء المعتبرة كما ورد ذلك في الالتفات، ومن هنا يعتبر في الصلاة عدم وقوع القاطع حتى في السكونات المتخللة بين الأجزاء، وهذا مؤيد على اعتبار الهيئة الاتصالية فيها، والمهم أنَّ تشخيص اعتبار الهيئة الاتصالية في المركب أو عدم اعتبارها فيه يكون بحسب الدليل.
ومن هنا يظهر الفرق بين القاطع والمانع فإنَّ المانع يمنع من صحة المركب والقاطع يُخل بالهيئة الاتصالية المعتبرة فيه، ولذا لا يضر وجود المانع في حال السكون كما لو لبس الحرير في حال السكون ثم نزعه، قالوا لا يكون ذلك موجباً للبطلان وإنما يضر وجوده لو حصل عند الاتيان بالأجزاء، وأما القاطع فإن عدمه معتبر مطلقاً حتى في أثناء السكون.
وبناء عليه إذا شك المكلف في قاطعية شيء للصلاة - كالالتفات اليسير - فهو يرجع الى الشك في بقاء الهيئة الاتصالية الحاصلة بحدوث الجزء الأول فيجري فيها الاستصحاب، بخلاف الشك في المانعية فإنه يرجع الى الشك في الصحة ولا يجري فيها الاستصحاب، سواءً أريد بها صحة المجموع أو صحة الأجزاء السابقة.
ومحل الكلام هو في مانعية الزيادة وهي ليست قاطعة للهيئة الاتصالية، وذكر الشيخ أنَّها تدخل في كبرى دوران الأمر بين الأقل والأكثر، والصحيح كما تقدم هو جريان البراءة لنفي وجوب الأكثر، هذه خلاصة ما ذكره.