« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ هادي آل راضي
بحث الأصول

46/10/09

بسم الله الرحمن الرحيم

الشك في إطلاق الجزئية في حالة العجز/ أصالة الاحتياط / الأصول العملية

الموضوع: الأصول العملية/ أصالة الاحتياط / الشك في إطلاق الجزئية في حالة العجز

 

الدليل الثالث: حديث الرفع

كان الكلام في الأدلة على وجوب الاتيان بالباقي من المركب عند تعذر بعض أجزائه، وكان الدليل الأول هو الاستصحاب، والثاني هو قاعدة الميسور، وأما الدليل الثالث فقد قيل أنه يمكن الاستدلال على ذلك بحديث الرفع بفقرة (ما اضطروا إليه) بتقريب أنَّ الشيء المتعذر والذي تضطر الى تركه يكون مرفوعاً عنك، ويطبق ذلك على جزء المركب - كالسورة من الصلاة - فإذا اضطر المكلف الى تركه فيكون مرفوعاً عنه، وهذا يعني رفع الجزئية في حال التعذر ولازمه اختصاص جزئية بحال التمكن، وهذا هو مفاد قاعدة الميسور فسقوط الجزء المعسور لا يوجب سقوط الميسور، فيمكن تصحيح الصلاة من دون ذلك الجزء الذي لا يأتي به المكلف لأجل تعذره.

وقالوا إنَّ حديث الرفع يكون موجباً لتخصيص هذه الأحكام بغير هذه الحالات – التعذر، النسيان، الجهل ...الخ - أي تختص بحال التمكن، ومن جملة هذه الادلة ما دلَّ على جزئية الجزء ومقتضى اطلاقه هو جزئيته مطلقاً - أي لحال التمكن وحال التعذر - الا أنَّ حديث الرفع يدل على رفع الحكم في حال تعذر الجزء فيختص دليل الجزئية بحال التمكن.

والجواب عنه: تقدم في بحث البراءة أنَّ الصحيح في تفسير الحديث هو أنَّ الرفع رفعٌ واقعي للوجود التشريعي للموضوع، بمعنى أنَّ هذه الموضوعات لا تقع موضوعاً لحكمٍ في عالم التشريع، فالفعل الذي استكرهوا عليه لم يقع موضوعاً لحكمٍ شرعي أي لا وجود له في عالم التشريع حقيقة، وحينئذٍ يقال إنَّ التمسك بالحديث لإثبات عدم الجزئية في حال التعذر ليس صحيحاً من دون فرق بين ما إذا اختص التعذر ببعض الوقت وبين ما إذا كان مستوعباً لتمام الوقت، أما الأول فلأنَّ السورة التي اضطر الى تركها في خصوص ذلك الوقت ليس لها وجود تشريعي لعدم وقوعها موضوعاً لحكم شرعي بالوجوب وكذا الجزئية فلا معنى لرفعها بالحديث، وإنما الموجود بالوجود التشريعي هو السورة في تمام الوقت لكن المفروض أنَّ السورة في تمام الوقت ليست مورداً للتعذر والاضطرار ، إذن ما عجز عنه المكلف واضطر الى تركه هو السورة في بعض الوقت وهذا لا حكم له شرعاً.

وأما الثاني - أي استيعاب التعذر لتمام الوقت - فإنّ التمسك بالحديث لنفي وجوب السورة في تمام الوقت وإن كان ممكناً إلا أنَّ ما يثبت به هو عدم وجوب السورة في تمام الوقت ولا يثبت بذلك وجوب الصلاة عليه من دون السورة وذلك لأنَّ ارتفاع وجوب السورة في تمام الوقت كما يمكن أن يكون مع فرض وجوب الباقي كذلك يمكن أن يكون مع فرض ارتفاع أصل الوجوب للصلاة باعتبار العجز عن جزئها، فلا يثبت بالحديث وجوب الباقي وعدم جزئية السورة في حال العجز وبالتالي صحة الصلاة في المقام.

إشكال آخر:

ويضاف الى ذلك إنَّ الحديث وارد مورد الامتنان ومقتضى ذلك أن يكون في الرفع توسعة وامتنان على المكلف ولا يصح تطبيقه في مورد يكون الرفع فيه ضيقاً على المكلف كما في محل الكلام فإنَّ الرفع هنا يقتضي وجوب الاتيان بالباقي وهذا خلاف الامتنان ولا توسعة فيه على المكلف.

الدليل الرابع: التمسك بعمومات الاضطرار وعمومات الحرج، من قبيل (..كُلُّ شَيْءٍ اُضْطُرَّ إِلَيْهِ اِبْنُ آدَمَ فَقَدْ أَحَلَّهُ اَللَّهُ لَهُ.) وحينئذٍ يقال:

إنَّ المكلف إذا اضطر الى ترك الجزء كان ذلك حلالاً له، ومعنى حلية ترك الجزء هو سقوطه عن الجزئية وصحة الصلاة بدونه، كما أنَّ حلية المانع في حال الاضطرار هو عدم كونه مانعاً كما لو اضطر الى التكفير مثلاً، وبناءً عليه يكون هذا الحديث حاكماً على دليل الجزئية ومقتضى ذلك تخصيص دليل الجزئية بغير حال الاضطرار، ولازم ذلك هو وجوب الباقي، وهذا هو مفاد قاعدة الميسور.

ويشهد لذلك رواية عبد الأعلى مولى آل سام (قالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ عَثَرْتُ فَانْقَطَعَ ظُفُرِي فَجَعَلْتُ عَلَى إِصْبَعِي مَرَارَةً، فَكَيْفَ أَصْنَعُ بِالْوُضُوءِ، قَالَ يُعْرَفُ هَذَا وَأَشْبَاهُهُ مِنْ كِتَابِ اَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ اَللَّهُ تَعَالَى ﴿مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي اَلدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ اِمْسَحْ عَلَيْهِ)

والآية من عمومات الحرج وهي كما تدل على نفي وجوب الاتيان بما فيه حرج تدل أيضاً على وجوب الباقي وهو أصل المسح، وذلك باعتبار أنَّ الواجب أمران أصل المسح وأن يكون على البشرة كما ذكر الشيخ الأنصاري، وفي محل الكلام إذا تعذر الاتيان بالسورة يجب الاتيان بالباقي.

logo