« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ هادي آل راضي
بحث الأصول

46/08/20

بسم الله الرحمن الرحيم

 الشك في إطلاق الجزئية في حالة العجز/ أصالة الاحتياط / الأصول العملية

الموضوع: الأصول العملية/ أصالة الاحتياط / الشك في إطلاق الجزئية في حالة العجز

 

كان الكلام في الاشكال الثاني وقلنا أنه يتوقف على ثلاثة أمور انتهينا الى الأمر الثالث وهو الاجمال بدعوى عدم وجود قرينة لتعيين أحد المعنيين، والمناقشة فيه تكون بادعاء وجود قرينة على تعيين إرادة المركب وبالتالي يصح الاستدلال به.

وتقدم ذكر القرينة الأولى وهي دعوى أنَّ ظاهر حال الخطاب الصادر من المولى هو المولوية فحمله على الارشاد والإخبار خلاف الظاهر ولا يصار إليه إلا بقرينة، والمولوية تقتضي أن يكون موردها المركب من أجزاء، فتدل على وجوب الاتيان بالباقي إذا تعذر أحد أجزائه، ثم أجبنا عن هذه القرينة.

القرينة الثانية: هي استبعاد حمل الحديث على الكلي لكون وجوب الباقي فيه من الأمور الواضحة التي يكون بيانها بياناً للواضحات المستهجن عرفاً، بخلاف وجوب الباقي في أجزاء المركب فإنه ليس من الواضحات بعد سقوطه بالتعذر فلو ثبت وجوب للباقي بعد التعذر لكان وجوباً جديداً فيتصدى المولى لبيانه.

وفيه: إنَّ حمل الحديث على الكلي يُشترط فيه أن يكون تعذر بعض الأفراد موجباً لتوهم سقوط وجوب الباقي، وذلك بأن تكون هناك جهة مشتركة بين الميسور من الأفراد والمعسور منها، كالاشتراك في الدليل الواحد كـــ (أكرم العلماء) ومن الواضح إنَّ بيان وجوب الباقي من الأفراد في موارد توهم سقوطه لدفع هذا التوهم ليس مستهجناً عرفاً ولا يدخل في توضيح الواضحات، وهذا يتحقق في المقام – أي الكلي وأفراده – لاشتراك الميسور وغيره في خطاب واحد، بخلاف مثل وجوب الصلاة ووجوب الصوم ووجوب الحج ... فإنَّ سقوط وجوب أحدها بالتعذر لا يوجب توهم السقوط في الباقي فيكون بيان وجوب الباقي من توضيح الواضحات المستهجن عرفاً، فهذه القرينة غير تامة.

القرينة الثالثة: وهي دعوى أنَّ ظاهر الحديث يقتضي الحمل على المركب وذلك لأنَّ مفاد الحديث هو أنَّ الميسور من شيء لا يسقط بتعذر معسوره، والمعنى هو أنَّ هذا الشيء الواحد لا يسقط بمرتبته الميسورة إذا تعذر بمرتبه المعسورة، وهذا لا يصدق إلا على المركب ذي الأجزاء، لأنَّ الباقي من الأجزاء ميسور من المركب ومرتبة منه، وتمام الأجزاء هو المعسور من المركب، ولا يصدق على الكلي ذي الأفراد إذ لا يوجد شيء يكون بعض أفراده ميسوراً وبعضه الآخر يكون معسوراً وذلك لأنَّ الأفراد مستقلة غير مترابطة فيما بينها فقوله (أكرم العلماء) يرجع الى أكرم هذا العالم وأكرم ذاك وذاك وهكذا، فلا يصح أن يقال إنَّ الميسور من شيء لا يسقط بالمعسور منه إذ لا يوجد شيء يكون باقي الأفراد بعد التعذر ميسوراً له.

نعم يصح ذلك بإعمال عناية وذلك بأن نلحظ العلماء شيئاً واحداً له أفراد فنقول: الميسور من العلماء لا يسقط بالمعسور من العلماء، فيكون اكرام تمام العلماء معسوراً في قبال إكرام بعضهم فإنها مرتبة ميسورة من العلماء، ومن الواضح أنَّ حمل الحديث على المركب لا يحتاج الى عناية من هنا يكون حمل الحديث عليه لا على الكلي.

وبناءً على هذا فلا يتم الأمر الثالث لوجود قرينة على إرادة المركب من الحديث ويكون الوجوب المستفاد من الحديث مولوياً، ولا اجمال في الحديث حتى يمنع من الاستدلال به، وهذا يناسب الاحتمال الثاني من الاحتمالات الثلاثة المتقدمة في معنى (لا يسقط) بعد استبعاد الاحتمال الأول وكذا الثالث باعتبار إنَّ عدم السقوط في باب المركب ليس مما يدركه العقل، ولا هو قضية ارتكازية حتى تكون (لا يسقط) إخباراً وإرشاداً الى ذلك، وإنما هي إخبار عن عدم السقوط لكن يقصد به التعبد بالبقاء وهو الاحتمال الثاني.

الرواية الثالثة: وهي المرسلة (ما لا يُدرك كله لا يُترك كله)

وتقريب الاستدلال بها بأن يقال إنها ظاهرة في المنع من ترك الكل عند تعذر الاتيان به، والمنع من ترك الكل عبارة عن وجوب الاتيان بالباقي فتدل على القاعدة.

وهل تشمل المستحبات أو تختص بالواجبات ؟

الظاهر أنها تختص بالواجبات، وذلك باعتبار أنَّ قوله (لا) إما أن تكون ناهية أو تكون نافية يراد بها النهي- وهما الاحتمالان الأول والثاني المتقدمان في الرواية الثانية - وعلى كِلا التقديرين تدل على وجوب الاتيان بالباقي، فكيف يمكن الالتزام بشمول الحديث للمندوبات! ولا مجال للاحتمال الثالث المتقدم في الرواية الثانية هنا وذلك لأنَّ عدم الترك يعني الفعل والاتيان وهذا من أفعال المكلف وليس من شأن الشارع الاخبار عن افعال المكلفين.

والحاصل: إنه لا يمكن الجمع بين ظهور (لا يترك) في الوجوب وبين شمول الحديث للمندوبات، فلا بد من رفع اليد عن أحدهما، إما برفع اليد عن ظهور (لا يترك) في الوجوب وحمله على مطلق الرجحان فيشمل الموصول المندوبات، وإما أن نلتزم باختصاص الموصول بالواجبات ونحافظ على ظهور (لا يترك) في الوجوب.

 

logo