46/08/18
الشك في إطلاق الجزئية في حالة العجز/ أصالة الاحتياط /الأصول العملية
الموضوع: الأصول العملية/ أصالة الاحتياط / الشك في إطلاق الجزئية في حالة العجز
كان الكلام في الإشكال الثاني القائل بإجمال الرواية فإن الوجوب فيها دائر بين الوجوب المولوي على تقدير الأمر بالمركب وبين الوجوب الإرشادي على تقدير الأمر بالكلي ذي الافراد، وحيث لا جامع بينهما ولا قرينة على تعيين أحدهما فلا يعلم ما هو المراد منه ، فلا يصح الاستدلال به.
وتقدم أنَّ هذا الإشكال يبتني على أمور ثلاثة :
أما الأمر الأول وهو إنَّ حمل الرواية على الكلي يستلزم أن يكون الوجوب إرشادي، وهذا صحيح فإن وجوب الباقي مما يدركه العقل فيكون الحكم بعدم سقوطه واردا مورد حكم العقل فيكون إرشادياً.
والإرشادية المدعاة في الاشكال ليست من جهة أنَّ وجوب الباقي بُيِّن في خطاب آخر، فلا ترد المناقشة المتقدمة، وانما الإرشادية من جهة تعبير الحديث بعدم السقوط، وهو في باب الكلي مع أفراده مما يدركه العقل لأنها واجبات استقلالية.
ومن هنا يظهر أنَّ الأمر الأول تام، فيمكن القول إنَّ الحديث إذا كان المقصود منه الكلي ذي الأفراد فوجوب الباقي يكون وجوباً ارشادياً.
وإما الأمر الثاني - وهو دعوى أنه لا جامع بين الوجوب المولوي والوجوب الإرشادي يستعمل فيه اللفظ فإرادة كل منهما يستلزم استعمال اللفظ في أكثر من معنى وهو محال - فالمناقشة فيه تكون باعتبار أنَّ ما ذكر من المولوية والإرشادية لا تدخل في المدلول التصوري الاستعمالي للكلام وانما تدخل في المدلول التصديقي له، فإن مدلوله الاستعمالي هو البعث والتحريك إما بنحو المعنى الحرفي أو بنحو المعنى الإسمي من دون فرق بين المولوية والإرشادية من هذه الجهة، وكذا النهي مدلوله الاستعمالي هو الزجر والمنع إما بنحو المعنى الحرفي كما في الهيئات، أو بنحو المعنى الإسمي كما في مادة النهي ومشتقاته، وإنما تفهم المولوية والإرشادية من سياق الكلام باعتبارها ظهورا سياقياً يفهم من حال ظاهر المتكلم، وبناء عليه يقال في مناقشة الأمر الثاني بأنَّ الأمر والنهي يستعملان في هذا المعنى الواحد سواء كان مولوياً أو إرشادياً، والمولوية والإرشادية ترتبط بالمدلول التصديقي للكلام المرتبط بظاهر حال المتكلم، وهذا لا ربط له بالمدلول الاستعمالي للكلام فلا يلزم هذا المحذور.
الملاحظة على هذه المناقشة:
سلمنا أن الشمول لكل منهما لا يتوقف على وجود جامع ولا يلزم المحذور المذكور، لكن الشمول لكل منهما يتوقف على إمكان الجمع بين ظهور حال المتكلم في أنَّ الخطاب الصادر منه صدر منه بما هو مولى وبين ظهور حاله في أنَّ الخطاب الصادر منه صدر منه بما هو مخبر ومرشد، فهل يمكن أن يجتمع هذان الظهوران بالنسبة إلى خطاب واحد ؟
الظاهر إنه لا يمكن الالتزام بذلك.
ومن هنا يبدو أنَّ الأمر الثاني تام لكن مع تعديل المحذور من المحذور الاستعمالي إلى المحذور السياقي كما تقدم ، وهذا يكفي في تمامية الأمر الثاني الذي يتوقف عليه الإشكال، لأنَّ الغرض منه هو إثبات لزوم محذور في افتراض الشمول، غاية الأمر أنه ذكر محذور استعمال اللفظ في أكثر من معنى وذكرنا أنه محذور اجتماع ظهورين سياقين في المولوية والإرشاد.
وإما الأمر الثالث - وهو عدم وجود قرينة على تعيين أحد الأمرين - والمناقشة فيه بادعاء وجود قرائن على تعيين أنَّ الحديث ناظر إلى المركب ، وهي:
القرينة الأولى: ما تقدم من أنَّ الأصل في الخطابات الصادرة من المولى هو المولوية وحمله على الإخبار يفتقر إلى قرينة.
وقد اجاب عنه المستشكل، وذكرناه على نحو الاجمال، وحاصله:
إنَّ التمسك بهذا الظهور إنما يصح في ما إذا كان متعلق الأمر معلوماً ويشك في أنَّ الأمر مولوي أو ارشادي، فالأمر بالكتابة في قوله تعالى ﴿یا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ﴾[1] واضح لا تردد فيه ولكن الشك في أنه أمر مولوي أو إرشادي، فيصح التمسك بهذا الظهور لإثبات المولوية، وإما إذا كان الشك ناشئاً من تردد المتعلق بين أمرين أحدهما لا يكون إلا مولوياً والآخر لا يكون إلا إرشادياً فهنا لا يمكن التمسك بالظهور المذكور، فلو فرضنا أنَّ المولى أمر بشيء وتردد بين أمرين كالصلاة ومراجعة الطبيب والأول لا يكون إلا مولوياً والثاني لا يكون إلا إرشادياً فلا يمكن التمسك بالأصل المذكور، والسر فيه هو أنَّ الشك في المولوية والإرشادية نشأ من تردد المأمور به بين ما لا يكون الا مولوياً وما لا يكون الا إرشادياً فالحمل على المولوية يحتاج إلى تعيين الموضوع أولاً وأنه الصلاة في المثال المذكور حتى يكون الأمر مولوياً، ومجرد ظهور الأمر في المولوية لا يصلح لذلك لأنه ليس ظهوراً وضعياً حتى يصح جعله قرينة على تعيين الموضوع وانما هو ظهور سياقي يعتمد على ظهور حال المتكلم في كونه في مقام التشريع والجعل وهو غير محرز في هذه الصورة.