« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ هادي آل راضي
بحث الأصول

46/08/17

بسم الله الرحمن الرحيم

الشك في إطلاق الجزئية في حالة العجز/ أصالة الاحتياط / الأصول العملية

الموضوع: الأصول العملية/ أصالة الاحتياط / الشك في إطلاق الجزئية في حالة العجز

 

قلنا بأنه استشكل بإشكالين على الاستدلال بالحديث على قاعدة الميسور وانتهينا إلى الاشكال الثاني، وحاصله هو دعوى أنَّ الرواية مجملة لا يصح الاستدلال بها في محل الكلام - أي في المركب من اجزاء - فالرواية إما هي ناظرة إلى الكلي وأفراده فلا يصح الاستدلال بها في محل الكلام، وإما هي ناظرة الكل واجزائه فيصح الاستدلال بها، وﻻ معيَّن لأحدهما فتكون مجملة، وذلك لأنها إن كانت ناظرة إلى المركب فوجوب الباقي يكون وجوباً مولوياً لأنه مغاير للوجوب السابق المرتفع قطعاً، إن كانت ناظرة إلى الكلي وافراده فوجوب الباقي يكون إرشادياً وذلك لثبوته سابقاً وﻻ معنى لسقوط وجوب شيء بتعذر غيره، وحيث أنه لا جامع بين الوجوبين وﻻ قرينة على تعيين أحدهما فيكون الدليل مجملاً.

قد يقال: لا إشكال في دوران الأمر بينهما فإنه ظاهر في المولوية فيحمل الأمر عليه، والحمل على الإرشادية بحاجة إلى قرينة، وهذا يعني أنَّ الحديث ناظر إلى المركب من أجزاء فيصح الاستدلال به في محل الكلام.

ويجيب المستشكل بنفسه: بأن هذا الظهور يؤخذ به عند العلم بمتعلق الأمر والشك في أنه على نحو المولوية أو على نحو الإرشادية، كما إذا فرضنا أنه أمر بالأكل مثلاً فمقتضى ظهوره الأولي هو حمله على المولوية، وكذا لو أمر بتصديق الثقة فيحمل كذلك، لكن المتعلق هنا مردد بين شيئين أحدهما لا يقع إلا ارشادياً، والآخر يمكن أن يقع مولويا كما في محل الكلام فلا يؤخذ بهذا الظهور.

وقد ذكر السيد الخوئي هذا الإشكال في الاحتمال الأول من الاحتمالات الثلاثة في كلمة (لا يسقط) وقال إنّ هذا النهي مجمل فإن الحديث إن كان ناظراً إلى المركب فيكون النهي مولوياً، وان كان ناظراً إلى الكلي فيكون النهي ارشادياً.

لكن الظاهر أن هذا لا يختص بالاحتمال الأول ويجري في الاحتمال الثاني أيضاً فإنه وإن كان إخباراً ونفياً الا انه يراد به الانشاء والنهي فيدور أمره بين المولوية والإرشادية، فالإجمال المدعى بناء على الاحتمال الأول يمكن أن يدعى بناء على الاحتمال الثاني، نعم لا يرد ذلك على الاحتمال الثالث لأنه إخبار صرف ولا معنى المولوية والإرشادية في الإخبار.

وهذا الإشكال يبتني على تمامية أمور ثلاثة:

الأول: دعوى إن حمل الحديث على الكلي ذي الأفراد يستلزم أن يكون الوجوب إرشاديا.

الثاني: إن شمول الرواية للكلي والمركب يتوقف على وجود جامع بينهما حتى يصح استعمال اللفظ فيه، وإلا يكون استعمال اللفظ فيهما من استعمال اللفظ في أكثر من معنى وهو محال.

الثالث: دعوى عدم وجود قرينة على تعيين أحد الأمرين.

فإذا تمت هه الأمور الثلاثة أنتجت الاجمال، لكنها كلها محل تأمل:

أما الأمر الأول فيتوقف على تحديد الميزان في كون الوجوب مولوياً أو إرشادياً، والميزان المدعى على نحوين:

الأول: إنّ الميزان في كون الوجوب مولوياً هو أن يكون صادراً من المولى بما هو مولى، وفي قباله الوجوب الإرشادي وهو الصادر من المولى لكن لا بما هو مولى وانما بما هو مخبر ومرشد.

وفيه: إن هذا الميزان ينطبق على الوجوب سواءً حملت الرواية على المركب ذي الأجزاء أو حملت على الكلي ذي الافراد لأنه في كل منهما يصدر من المولى بما هو مولى غاية الأمر أنه على أحد التقديرين - وهو المركب - يكون وجوباً مولوياً تأسيسياً لارتفاع وجوب الميسور بعد المتعذر، وعلى التقدير الثاني يكون الوجوب مولوياً تأكيدياً للوجوب السابق وفيه اعمال للمولوية أيضاً، فالوجوب على كلا التقديرين يكون مولوياً، فالفرق بين الوجوبين إنما هو في التأسيسية والتأكيدية لا في المولوية والإرشادية.

الثاني: إنَّ الميزان في المولوية هو عدم كون الشيء مبيناً في خطاب آخر، والميزان في الإرشادية هو كون الشيء مبيناً في خطاب آخر ، فوجوب الباقي أن كان مبيناً في خطاب آخر فهو ارشادي وإلا فهو مولوي.

وحينئذ يصح ما تقدم لأن الحديث إن كان ناظرا إلى الكلي وأفراده فوجوب الباقي يكون إرشادياً لأن وجوب الباقي في العام الانحلالي مبين في خطاب سابق، بينما يكون مولوياً إذا كان الحديث ناظراً إلى الكل واجزائه لأنه لم يُبين في خطاب آخر.

والأصح هو الميزان الاول.

وقد يلاحظ على المناقشة المتقدمة في الأمر الأول بأنَّ المدعى في الإشكال هو أنَّ الحكم بوجوب الباقي كان بعنوان عدم السقوط وهو في باب الكلي والعام الانحلالي أمر يدركه العقل لما تقدم من أنه لا معنى لسقوط شيء بتعذر غيره، وعليه يكون التعبد بعدم السقوط ارشاداً إلى ما يدركه العقل، فالمدعى في الإشكال ليس هو كون الوجوب في باب الكلي مبيناً في خطاب آخر وانما هو الإرشاد إلى ما يدركه العقل ، فلا معنى للإشكال عليه من جهة أخرى.

 

logo