46/08/16
الشك في إطلاق الجزئية في حالة العجز/ أصالة الاحتياط / الأصول العملية
الموضوع: الأصول العملية/ أصالة الاحتياط / الشك في إطلاق الجزئية في حالة العجز
كان الكلام في قاعدة الميسور، والاستدلال عليها بالحديث الثاني وهو النبوي (الميسور لا يسقط بالمعسور)، وذكرنا احتمالات ثلاثة في قوله (لا يسقط) واستقربنا الثالث منها وهو أنها جملة خبرية صرفة، ولا إشكال في إخبار الشارع عن السقوط وعدمه لأنه من شؤونه وهو الإخبار عن بقاء الحكم الذي كان ثابتاً، وهذا بخلاف (يُعيد) إذ ليس من شأن الشارع الاخبار عن أفعال المكلف.
وقلنا أنَّ الاحتمال الثالث يتم به الاستدلال على القاعدة، وذلك لأنَّ الاخبار عن عدم سقوط الميسور بلحاظ حكمه أو عدم سقوط حكمه بناءً على التقدير مرجعه الى بقاء حكم الميسور وهو الوجوب، فيُستدل بها على وجوب الاتيان بالباقي بعد التعذر.
ومن جهة أخرى تشمل الرواية المندوبات فإنَّ حكمها هو الاستحباب فيبقى هذا الحكم بعد تعذر بعض الأجزاء.
وذكرنا أنَّ الاستدلال بالرواية على القاعدة واجه اشكالين:
الاشكال الأول: ما ذُكر في الكفاية وحاصله هو احتمال اختصاص الرواية بالعام الانحلالي بالنسبة الى أفراده فلا تشمل محل الكلام وهو المركب من أجزاء، ومنشأ هذا الاحتمال هو أنَّ حكم الميسور – وهو الوجوب الضمني - ساقط قطعاً بتعذر بعض أجزاء المركب وسقوط الأمر به، فكيف تقول الرواية أنَّ حكم الميسور باقٍ؟ وإذا ثبت حكم للباقي بعد التعذر فهو حكم آخر غير ما كان ثابتاً قبل التعذر وهو الوجوب الاستقلالي، فمن هنا يُستشكل في شموله للمركب من أجزاء.
نعم هو يشمل العام الانحلالي – أي الكلي وأفراده – كأكرم العلماء فالعجز عن اكرام بعض الأفراد لا يكون سبباً في سقوط حكم باقي الأفراد الميسورة، فينطبق الحديث على الكلي ولا ينطبق على المركب.
وأُجيب عنه بجوابين:
الأول: هو دعوى أنَّ الحكم الثابت للميسور بعد التعذر هو نفس الحكم الثابت له قبل التعذر لكن بنظر العرف فإنّه يرى أنَّ الاستقلالية والضمنية هي من الحالات المتبادلة على الوجوب، فالوجوب الثابت للأجزاء التسعة قبل التعذر هو نفسه باق بعد التعذر، واتصافه سابقاً بالضمنية ثم بالاستقلالية من الحالات المتبادلة التي لا تمنع من بقاء الموضوع المتيقن نفسه، فيصح أن يقال إنّ حكم الميسور لا يسقط بتعذر بعض الأجزاء.
الثاني: المراد ظاهراً إنَّ عدم السقوط إذا كان مسنداً الى حكم الميسور فيمكن ورود الاشكال، وأما إذا أُسند الى نفس الميسور باعتبار أنَّ له نوع من الثبوت في العهدة - ولا مانع من الأخذ بها الظهور - فلا يرد هذا الإشكال وذلك لوضوح أنَّ الميسور الذي يُحكم ببقائه بعد التعذر هو نفس الميسور الذي كان قبل التعذر، فيصح أن يسند إليه عدم السقوط فيقال إنَّ الميسور لا يسقط عن العهدة، لأنَّ اختلاف منشأ الثبوت في العهدة قبل تعذر وبعد التعذر – أي الضمنية والاستقلالية - لا يوجب التعدد بنظر العرف فإنه حيثية تعليلية لا يتعدد المُعلَّل بتعددها.
والتعليق عليه:
أما الجواب الأول فقد تقدم في بحث الاستدلال على القاعدة بالاستصحاب التعرض له وأثبتنا تماميته، وأنَّ العرف يرى الضمنية والاستقلالية من الحالات المتبادلة التي لا تمنع من جريان الاستصحاب باعتبار وحدة الموضوع، كما لا تمنع في محل الكلام من إسناد عدم السقوط الى الحكم الذي كان ثابتاً سابقاً، نعم لا بد من فرض الشك في البقاء حتى يصح التعبد ببقاء حكم الميسور بعنوان (لا يسقط الميسور) وإلا فلا يصح، وهو متحقق في المقام لأنَّ تعذر أحد الأجزاء يوجب الشك في وجوب الأجزاء الأخرى الباقية.
وأما الجواب الثاني فالظاهر أنه تام أيضاً، نعم نسبة عدم السقوط الى الميسور كما يمكن تفسيرها بإرادة بقائه في العهدة كذلك يمكن تفسيرها بإرادة بقائه بلحاظ حكمه، فلا يتعين التفسير الأول، نعم على الأول قد يقال بعدم شمول الحديث للمندوبات إذ لا عهدة في المندوبات كما قيل، وأما على الثاني فلا موجب لعدم الشمول لوضوح أنَّ بقاء الميسور بلحاظ حكمه يشمل المندوبات كما يشمل الواجبات.
الاشكال الثاني: هو ما ذكره المحقق العراقي قده وتبعه السيد الخوئي قده وحاصله هو احتمال اجمال الرواية المانع من الاستدلال بها، وذلك باعتبار أنَّ الأمر فيها يدور بين الحمل على المركب إذا تعذر بعض أجزائه ليكون الوجوب المستفاد منها مولوياً بعد سقوط الوجوب المتعلق بالمركب التام بتعذر بعض أجزائه لأنَّ وجوب الباقي على تقديره هو وجوب جديد، وبين حملها على الكلي إذا تعذر بعض أفراده حتى يكون الوجوب المتعلق بالأفراد المقدورة ارشادياً الى حكم العقل من عدم سقوط وجوب شيء بتعذر شيء آخر، وحيث لا قرينة على تعيين أحدهما تكون الرواية مجملة ولا يُعلم شمولها لمحل الكلام فلا يصح الاستدلال بها.