46/08/10
الشك في إطلاق الجزئية في حالة العجز/ أصالة الاحتياط / الأصول العملية
الموضوع: الأصول العملية/ أصالة الاحتياط / الشك في إطلاق الجزئية في حالة العجز
الرواية الثانية: (الميسور لا يسقط بالمعسور)
الاحتمالات الثالثة في (لا يسقط):
الأول: إنه نهي وإنشاء بلسان النفي والاخبار.
الثاني: إنه نفي وإخبار يُراد به النهي والانشاء، فالجملة إخبارية صورة ولكنها إنشائية معنى.
الثالث: إنه نفي محض ويُراد به الإخبار عن عدم السقوط، إما عدم سقوط الميسور بلحاظ حكمه أو عدم سقوط حكمه مباشرة، والنتيجة واحدة.
وقد ينسب الاحتمال الأول الى صاحب الكفاية، وذلك لأنه أشكل على الاستدلال بها بما حاصله:
إنَّ هناك تنافٍ بين ظهورين في الرواية الأول ظهور هيئة (الميسور لا يسقط) فإنَّ ظاهره هو عدم السقوط لزوماً، وهو يستلزم وجوب الميسور، وهذا يقتضي اختصاص الرواية بالواجبات لأنَّ الميسور من المندوبات لا يجب الاتيان به، والثاني إطلاق (الميسور) الذي يقتضي الشمول للمندوبات، فإذا كان المركب مستحباً وتعذر أحد أجزائه فإنَّ الميسور منه لا يسقط بالمعسور، وهما متعارضان لأنَّ الظهور الأول يقتضي الاختصاص بالواجبات، والظهور الثاني يقتضي الشمول للمندوبات، ويُستفاد من كلامه تقديم الظهور الثاني على الأول وافترض شمول الحديث للمندوبات وذلك بحمل الرواية على مطلق الرجحان.
والظاهر إنَّ هذا الاشكال يبتني على الاحتمال الأول ومنه يُستفاد أنه يبني على الاحتمال الأول، وبعبارة أخرى هذا الاشكال لا يرد على الاحتمالين الثاني والثالث، وإنما يرد على الاحتمال الأول فيستكشف منه اختياره له، أما عدم وروده على الاحتمال الثالث فلكونه يقول أنه اخبار محض عن عدم السقوط وهذا يشمل الواجبات والمندوبات، فلا يرد الاشكال بعدم الشمول للمندوبات.
وأما على الاحتمال الثاني فهو اخبار عن عدم سقوط حكم الميسور ويراد به إنشاء بقاء حكم الميسور، وهو أعم من الواجبات والمندوبات فلا يرد الاشكال عليه أيضاً.
وأما على الاحتمال الأول فهو نهي عن سقوط الميسور وهذا لا يشمل للمندوبات، فمن هنا يظهر أنه يختار الاحتمال الأول.
ويلاحظ على الاحتمال الأول:
أولاً: إنَّ النهي لا بد أن يتعلق بفعل المكلف، والسقوط ليس من أفعاله - سواءً كان منسوباً الى الميسور بلحاظ حكمه أو كان منسوباً الى حكمه مباشرة - بل ليس داخلاً تحت اختياره حتى يتعلق به النهي، وإنما يرجع سقوط الحكم وعدمه الى الشارع فلا معنى لتعلق النهي به.
نعم الذي يمكن فرضه هو النهي عن اسقاط الحكم فإنَّ الاسقاط فعل المكلف لكنه خلاف الظاهر، وهذه الملاحظة لا ترد على الاحتمالين الثاني والثالث لذهابهما الى الإخبار لا إلى الانشاء.
وثانياً: لا موجب لحمل الجملة الخبرية على خلاف ظاهرها مع امكان ابقائها على ظاهرها.
ويلاحظ على الاحتمال الثاني:
أنه إنما يُصار اليه في الجمل الخبرية كـــ (يُعيد) وأمثالها فإنَّ حملها على معناها الحقيقي خلاف ظاهر الشارع فإنه بما هو شارع لا يُخبر عن أفعال المكلفين، فيقال هذه الجملة إخبار يراد به الانشاء، وأما في مثل المقام فلا مجال لهذا الاحتمال لأنَّ سقوط الميسور بلحاظ حكمه أو سقوط الحكم عن العهدة وعدم سقوطه أمر مرتبط بالشارع ومن شأنه الاخبار عنه فإبقاء الجملة على ظاهرها - وهو الاخبار - متعين.
ومن هنا يظهر أنَّ الاحتمال الثالث هو الأقرب من هذه الاحتمالات، وهو الاخبار المحض عن عدم السقوط، نعم لازمه بقاء الحكم الذي كان ثابتاً للميسور قبل التعذر وهو الوجوب في الواجبات فتدل الرواية على وجوب الأجزاء المقدورة بعد التعذر، والاستحباب في المندوبات فتدل على بقاء حكم الباقي بعد تعذر بعض الأجزاء.
وهذا الاستدلال يواجه إشكالين:
الاشكال الأول: ما ذكر في الكفاية وحاصله هو احتمال اختصاص الرواية بالعام الانحلالي عند تعذر بعض أفراده فلا تشمل المركب فإذا تعذر بعض أجزائه، فلا تدل الرواية على وجوب الاتيان بالباقي، وذلك باعتبار أنَّ السقوط اُسند الى الميسور ولا يمكن تطبيق عدم سقوط حكم الميسور على المركب، لأنَّ حكم الميسور بعد تعذر بعض أجزاء المركب ساقط قطعاً، فإنَّ حكم الميسور قبل التعذر هو الوجوب الضمني وهو ساقط قطعاً بسقوط الأمر بالمركب التام، فلو ثبت وجوب آخر للميسور بعد التعذر فهو وجوب آخر وهو الوجوب الاستقلالي، فلا معنى للإخبار عن عدم سقوطه، وأما في العام الانحلالي فيمكن ذلك فإذا تعذر بعض أفراده فيمكن القول إنَّ الميسور من أفراده لا يقسط حكمه.