46/08/05
الشك في إطلاق الجزئية في حالة العجز/ أصالة الاحتياط / الأصول العملية
الموضوع: الأصول العملية/ أصالة الاحتياط / الشك في إطلاق الجزئية في حالة العجز
الفرق بين الوجه الثالث والوجه الرابع:
أما الوجه الثالث فالاستصحاب فيه للوجوب الاستقلالي بمفاد كان التامة من دون نظر الى متعلقه، فنقول كان وجوب الصلاة ثابتاً سابقاً - بقطع النظر عن الصلاة هل هي التامة أو الأعم منها ومن الناقصة في حال العجز – ونشك الآن في بقائه فنستصحبه.
والملاحظ عليه هي أنَّ الوجوب لا بد له من متعلق - حتى في عالم الجعل - فمتعلقه إما هو المركب التام فيسقط الوجوب بتعذر متعلقه، فلا مجال لجريان الاستصحاب فيه، ويكون الشك في ثبوت حكم جديد للباقي، وإما هو الجامع بين التام في حال القدرة والناقص في حال العجز، ونشك في بقاء وجوب الجامع لاحتمال تحققه بالناقص فنستصحب بقاءه، والاشكال فيه أنه من استصحاب الكلي من القسم الثالث، فإنَّ الجامع متيقن الحدوث في الفرد التام وهو مرتفع قطعاً ونشك في تحققه في ضمن الفرد الناقص فلا يقين بحدوثه، فلا يجري فيه الاستصحاب على الصحيح.
وأما الوجه الرابع فحاصله إنَّ جزئية الجزء إما هي مختصة بحال التمكن وإما هي مطلقة حتى لحال التعذر، وعلى الأول يثبت الوجوب للباقي بعد التعذر بنفس الوجوب المتيقن سابقاً، وذلك بتضيُّق دائرة متعلق الوجوب بعد أن كانت وسيعة، وتغير المتعلق لا يؤثر في الوجوب، وهذا يعني القطع بوجوب الباقي.
وأما على الثاني فلازمه سقوط التكليف لعدم القدرة فلا تكليف بالباقي لأنَّ وجوب الباقي مرتبط بوجوب الكل، وحينئذٍ إن لم يقم دليل على أحد الوجهين وشُك في إطلاق الجزئية وعدمه فهذا يعني الشك في بقاء التكليف بالأجزاء المقدورة - لأنه على التقدير الأول فوجوبها ثابت وعلى التقدير الثاني فوجوبها مرتفع - فيجري استصحاب هذا التكليف المتيقن.
هذا والمستصحب في كلام المحقق النائيني قده هو شخص التكليف النفسي الذي كان متعلقاً بالأجزاء قبل التعذر، والحاصل: الذي يُراد إثباته للباقي بالاستصحاب هو نفس الوجوب السابق حقيقة وإنما يختلفان في سعة دائرة الانبساط وضيقها، فإذا تعذر أحد الأجزاء حصل الشك في بقاء ذلك التكليف الموجود سابقاً وعدم بقائه من جهة الشك في إطلاق دليل الجزئية أو عدم اطلاقه واختصاصه بحال التمكن.
ويلاحظ عليه:
أولاً: إنَّ هذا الوجه لو تم فلا ينبغي التفريق بين أن يكون الباقي بعد التعذر هو معظم الأجزاء أو أحد الأجزاء، بينما لا إشكال عندهم في عدم جريان الاستصحاب إذا كان المتعذر هو معظم الأجزاء، اللهم إلا إذا أبرز وجهاً آخر لعدم جريان الاستصحاب وهو عدم وحدة القضية المتيقنة والمشكوكة في فرض تعذر المعظم.
وثانياً: إنَّ الوجوب النفسي الذي يُراد استصحابه مردد من البداية بين أن يكون متعلقاً بتمام الأجزاء مطلقاً أو متعلقاً بالأجزاء مقيداً بالتمكن منها، وهذا الاستصحاب مردد بين ما هو مقطوع الارتفاع على التقدير الأول وبين ما هو مقطوع البقاء على التقدير الثاني، وعليه فلا يمكن إجراء الاستصحاب في شخص التكليف على التقديرين، أما الأول فللقطع بارتفاعه وأما الثاني فللقطع ببقائه، وعليه فلا بد من ملاحظة الجامع بينهما فإنه متيقن سابقاً ومشكوك لاحقاً لكنه من استصحاب الكلي من القسم الثاني فيرد عليه الاشكال الوارد عليه وهو إنَّ الكلي الدائر بين ما يقبل التنجيز وما لا يقبل التنجيز لا يقبل التنجيز فلا معنى لاستصحابه.
فإن قيل نستصحب الجامع لإثبات الفرد لا لإثبات الجامع.
قلنا هذا من الأصل المثبت لأنَّ ترتب الفرد على بقاء الجامع عقلي.
ومنه يظهر عدم تمامية هذه الوجوه المذكورة لتصحيح جريان الاستصحاب لإثبات وجوب الباقي، فيبقى الاشكال على حاله، وحاصله إنَّ المتيقن غير المشكوك، فما يُراد إثباته هو الوجوب الاستقلالي للباقي وما كان متيقناً هو الوجوب الضمني لها وهذا غير ذاك فكيف يجري الاستصحاب!
بل قد يقال إنَّ الاستصحاب يقتضي العكس أي عدم وجوب الباقي بعد التعذر وذلك باعتبار أنَّ الأجزاء الباقية لم يثبت لها وجوب استقلالي قطعاً ومع الشك في ثبوته نستصحب عدمه، وهذا الاستصحاب تام الأركان.
هذا تمام الكلام في الأمر الأول لإثبات وجوب الباقي أي الاستصحاب، ثم يقع الكلام الأمر الثاني وهو قاعدة الميسور.