46/08/04
الشك في إطلاق الجزئية في حالة العجز/ أصالة الاحتياط / الأصول العملية
الموضوع: الأصول العملية/ أصالة الاحتياط / الشك في إطلاق الجزئية في حالة العجز
الكلام في دعوى عدم إمكان معرفة الجزء المقوم من غير المقوم إلا ببيان من قِبل الشارع:
أجاب السيد الخوئي قده عن ذلك بأنه إذا لم يرد بيان من قِبل الشارع فمعناه أنه أوكل الأمر الى العرف، والعرف يرى أنَّ الجزء المتعذر إذا كانت نسبته الى سائر الأجزاء نسبة قليلة كالجزء الى العشرين فهو غير مقوم، وإما إذا كانت نسبته كبيرة كنسبة النصف أو الثالث فهو مقوم، وعلى الأول يصدق عرفاً على الباقي بعد التعذر أنه نفس ما كان قبل التعذر فيجري فيه الاستصحاب، وأما على الثاني فلا يتحقق الصدق العرفي فيكون الباقي غير ما كان سابقاً فلا يجري الاستصحاب[1] .
وفيه: إنَّ مجرد الصدق العرفي لوحدة الموضوع لا يكفي لإجراء الاستصحاب ما لم يثبت أنَّ المتعذر ليس دخيلاً في الحكم حدوثاً وبقاءً كما تقدم، والظاهر إنَّ الجزء المتعذر في محل الكلام دخيل في الحكم حدوثاً وبقاءً فنمنع من جريان الاستصحاب وذلك باعتبار عدم الشك في البقاء، فإنَّ الحكم السابق كان متعلقاً بالمركب من عشرة أجزاء وبتعذر أحدها ينتفي المركب فينتفي الحكم، ولو ثبت للمركب من تسعة أجزاء وجوب لكان حكماً آخر غير الحكم السابق، وهذا يعني أنَّ الجزء المتعذر كما هو دخيل في الحكم حدوثاً كذلك هو دخيل فيه بقاءً، فالرجوع الى العرف لتحديد الجزء المقوم من غير المقوم بالضابط المتقدم غير كافٍ لوحده في إثبات جريان الاستصحاب، مضافاً أنَّ كون النسبة قليلة أو معتد بها ليس هو الملاك الوحيد للصدق العرفي بل لنوع الجزء المتعذر وأهميته تأثير في الصدق العرفي.
الوجه الثالث: أن يقال نستصحب الوجوب الاستقلالي بمفاد كان التامة، والمراد به هو استصحاب الوجوب بقطع النظر عن متعلقه، فيقال كان وجوب الصلاة قبل تعذر بعض الأجزاء ثابتاً خارجاً ويُشك في ارتفاعه وبقائه بعد التعذر فيجري استصحابه لإثبات وجوب الباقي، وهو نظير استصحاب وجود الكُر لإثبات كُرية الموجود.
وفيه: إنَّ الوجوب لا يمكن أن يوجد بدون متعلق، وحينئذٍ إذا كان المتعلق هو خصوص المركب التام فالوجوب منتفٍ قطعاً فلا مجال لجريان الاستصحاب فيه وإنما نشك في ثبوت حكم آخر للمركب الناقص بعد التعذر، وأما إذا كان المتعلق هو الجامع بين التام والناقص المتحقق في ضمن التام ونشك في بقاء هذا الجامع باعتبار تحققه في ضمن الناقص فهو يرجع الى الوجه الأول والاشكال فيه هو أنه يرجع الى استصحاب الكلي من القسم الثالث الذي اتفقوا على عدم جريانه، وذلك باعتبار أنَّ المستصحب هو الجامع - وهو الكلي - لكنه كان متحققاً في ضمن التام وهو مرتفع قطعاً ويُشك في تحققه في ضمن الناقص ولكن لا يقين بوجوده سابقاً، فالمتيقن حدوثه مقطوع الارتفاع والمشكوك بقاؤه لا يقين بحدوثه فكيف يجري الاستصحاب!
هذا مضافاً الى أنَّ استصحاب الجامع بعد التعذر لإثبات وجوب الباقي يكون من الأصل المثبت.
الوجه الرابع: هو ما ذُكر في فوائد الأصول[2] ، وحاصله:
إنَّ جزئية المتعذر لو كانت ثبوتاً مختصة بحال التمكن كان التكليف بالناقص بعد التعذر باقياً على ما كان عليه، أي أنَّ التكليف به بعين التكليف المتعلق بالكل الواجد للمتعذر قبل تعذره من دون أن يرتفع ذلك التكليف ويحدث تكليف آخر متعلق بخصوص الأجزاء الباقية بل هو نفس ذلك التكليف غايته أنه قبل التعذر كانت دائرة متعلق التكليف أوسع لانبساط التكليف فيها على المتعذر، وبعد التعذر تتضيق دائرة متعلق التكليف ويخرج منها المتعذر، وهذا نظير البياض الذي كان منبسطاً على الجسم الطويل فصار قصيراً فإنه لا إشكال في أنَّ البياض في القصير هو عين البياض الذي كان في الطويل من دون أن ينعدم ويحدث بياض جديد.
وأما إذا كانت جزئية المتعذر ثبوتاً مطلقة وثابتة حتى في حالة التعذر فبعد التعذر لا يبقى التكليف لارتفاع وجوب الباقي بارتفاع وجوب الكل، ويكون الشك في وجوب آخر غير الوجوب السابق، فعلى أحد الوجهين يكون وجوب الباقي ثابتاً بعين التكليف السابق فيمكن أن يجري فيه الاستصحاب، وعلى الوجه الآخر يحتاج الباقي الى وجوب جديد ولا يمكن أن يجري فيه الاستصحاب، وحينئذٍ إن لم يقم دليل على أحد الوجهين المتقدمين وانتهينا الى الشك في بقاء التكليف بالأجزاء المقدورة فالظاهر منه أنه يجري استصحاب التكليف النفسي الذي كان متعلقاً بالأجزاء قبل التعذر.
وللحديث تتمة..