46/08/03
الشك في إطلاق الجزئية في حالة العجز/ أصالة الاحتياط / الأصول العملية
الموضوع: الأصول العملية/ أصالة الاحتياط / الشك في إطلاق الجزئية في حالة العجز
كان الكلام في الإيراد على ما ذكره الشيخ الأعظم لتصحيح جريان الاستصحاب وإثبات وجوب الأقل بعد تعذر بعض الأجزاء، وحاصل ما ذكر الشيخ هو إعمال العناية العرفية لإثبات أنَّ المشكوك هو نفس المتيقن، وقلنا أنَّ الكلام تارة يكون في أصل الإيراد وأخرى فيما فُرِّع عليه من عدم إمكان معرفة كون الجزء مقوماً أو غير مقوم.
أما أصل الإيراد فقد لاحظنا عليه بعدم صحة الميزان المذكور - وهو كلما كان الجزء غير مقوم جرى الاستصحاب وكلما كان مقوماً فلا يجري الاستصحاب، هذا غير صحيح، فإنَّ الجزء قد لا يكون مقوماً ومع ذلك لا يجري الاستصحاب كما إذا فرضنا أنَّ الجزء المتعذر كان دخيلاً في الحكم حدوثاً وبقاءً فبانتفائه ينتفي الحكم ويكون الشك شكاً في حكم آخر وليس شكاً في بقاء الحكم السابق حتى يكون مورداً للاستصحاب وذلك للقطع بانتفاء الحكم السابق بانتفاء ما له دخل فيه حدوثاً وبقاءً، هذا من جهة.
ومن جهة أخرى قد يكون الجزء مقوماً ويكون الشك شكاً في البقاء ومع ذلك لا يجري الاستصحاب كما إذا علمنا بكونه دخيلاً في الحكم حدوثاً وشككنا في دخله بقاءً فإنه حينئذٍ يتحقق الشك في بقاء الحكم السابق لأنه على تقدير دخله بقاءً يكون الحكم منتفياً وعلى تقدير عدم دخله بقاءً يكون الحكم باقياً إلا أنَّ الاستصحاب لا يجري لعدم وحدة الموضوع إذ لا يمكن أن نشير إلى الباقي ونقول هذا كان واجباً كان واجباً والآن كما كان.
منه يظهر إنَّ عدم جريان الاستصحاب في الحالة الأولى لعدم الشك في بقاء المستصحب في حين إنَّ عدم جريانه في الحالة الثانية لعدم وحدة الموضوع وإن كان الشك في البقاء.
ويظهر أيضاً أنَّ الميزان الحقيقي لجريان الاستصحاب هو إنَّ الشيء المتعذر إن كان دخيلاً في الحكم حدوثاً وبقاءً فلا يجري الاستصحاب لأننا نعلم بانتفاء الحكم فلا شك في بقائه، من دون فرق بين أن يكون الجزء المتعذر مقوماً أو غير مقوم، وإن كان دخيلاً في الحكم حدوثاً مع الجزم بعدم دخله بقاءً فلا يجري الاستصحاب أيضاً للعلم ببقاء الحكم.
وإن كان دخيلاً حدوثاً مع الشك في دخله بقاءً فلا يجري الاستصحاب أيضاً إذا كان مقوماً للواجب وإن تحقق الشك في البقاء لعدم وحدة الموضوع كما تقدم، وأما إذا كان غير مقوم فيجري الاستصحاب بناءً على ما ذُكر في هذا الوجه من إعمال العناية العرفية التي ذكرها الشيخ الأنصاري.
هذا كله إذا أحرزنا كون الجزء المتعذر مقوماً أو غير مقوم، وأما إذا شككنا في ذلك فلا يجري الاستصحاب لعدم إحراز وحدة الموضوع.
وعليه فالتفصيل بين المقوم وغير المقوم في جريان الاستصحاب إنما يصح في خصوص ما إذا شككنا في دخل المتعذر في مرحلة البقاء مع احراز دخله حدوثاً، ولا يجري في سائر الفروض إما لعدم الشك في البقاء وإما لإحراز بقاء الحكم السابق وعدم الشك في بقائه.
هذا كله من ناحية كلية في باب الاستصحاب، وأما في خصوص محل الكلام فالظاهر عدم جريان الاستصحاب لدخول المقام في الحالة الأولى وهي أن يكون المتعذر دخيلاً في الحكم حدوثاً وبقاءً من دون فرق بين المقوم وغير المقوم لأنّ المفروض أنَّ المتيقن سابقاً هو وجوب تمام الأجزاء من المركب التام وهذا ينتفي قطعاً بانتفاء أحد أجزائه وتعذره مما يعني أنَّ ذلك الجزء دخيل في الحكم حدوثاً وبقاءً فلا يكون الشك شكاً في البقاء فلا يجري الاستصحاب فلا مجال للتفصيل في محل الكلام.
وقد ينقض على ما ذكرناه باستصحاب كُرية الماء بعد أخذ مقدار منه فيقال بعدم جريانه بناء على ما ذُكر لعدم الشك في البقاء للقطع بانتفاء الكُرية المتيقنة سابقاً مع أنهم يجرون الاستصحاب فيه بلا إشكال؟!
والجواب عنه إنَّ الاستصحاب يمكن أن نتصوره على نحوين فتارة يكون بنحو الاستصحاب الموضوعي أي استصحاب الكُرية، وأخرى بنحو الاستصحاب الحكمي أي استصحاب عدم الانفعال بملاقاة النجاسة، وفي النحو الأول لا يجري الاستصحاب لما ذكرناه من عدم الشك في البقاء – للعلم بنقصان الماء عن الكُرية بحسب الفرض - كما هو الحال في المقام، أي استصحاب الوجوب النفسي الثابت للمركب التام بعد تعذر أحد أجزائه، ولا مجال لإعمال العناية العرفية، وأما في النحو الثاني فلا مانع من جريان الاستصحاب لتحقق الشك في البقاء إذ لا علم بارتفاع الحكم بعدم الانفعال كما لا علم بارتفاع الكُرية، وذلك لاحتمال بقاء الحكم واحتمال بقاء الكُرية، فإذا أعملنا العناية العرفية المتقدمة أحرزنا بذلك وحدة الموضوع وجرى الاستصحاب.
وعليه يمكن حمل كلامهم في جريان الاستصحاب في الكُرية على النحو الثاني لا في النحو الأول الذي هو نظير محل الكلام، فلا يصح النقض المذكور.
هذا كله بالنسبة الى أصل الإيراد وأما ما فُرِّع عليه فيأتي الكلام فيه.