46/08/02
الشك في إطلاق الجزئية في حالة العجز/ أصالة الاحتياط / الأصول العملية
الموضوع: الأصول العملية/ أصالة الاحتياط / الشك في إطلاق الجزئية في حالة العجز
كان الكلام في ما يدل على وجوب الباقي من المركب بعد فرض تعذر بعض أجزائه، وقد انتهينا الى أنه لا دليل على وجوب الاتيان بالباقي وذلك لتعذر المركب بتعذر بعض أجزائه فيسقط الوجوب عنه، هذا بلحاظ القواعد العامة، وأما بلحاظ القواعد الخاصة فذُكرت أمور قيل بأنها تدل على وجوب بالإتيان بالباقي، والكلام فعلاً في الأول وهو الاستصحاب، والمراد به هو استصحاب وجوب الأقل الثابت قبل التعذر فإنَّ وجوبه متيقن سابقاً ومشكوك لاحقاً فيُستصحب، فيكون هذا دليلاً على وجوب الأقل.
وأورد عليه بأنَّ وجوب الأقل المتيقن سابقاً هو الوجوب الضمني وهو مرتفع قطعاً بارتفاع الوجوب عن المركب التام، والمشكوك بعد التعذر هو الوجوب الاستقلالي للأقل، فأركان الاستصحاب غير تامة لأنّ المتيقن غير المشكوك.
وهذا الاشكال يرد حتى لو قلنا بأنَّ الوجوب المتيقن سابقاً هو الوجوب الغيري، فيقال إنَّ المتيقن سابقاً هو الوجوب الغيري وما يُشك فيه هو الوجوب النفسي، نعم هذا مستبعد لأنَّ أصل ثبوت الوجوب الغيري لأجزاء المركب محل كلام، وهو البحث في المقدمات الداخلية والخارجية حيث ذكروا أنَّ الوجوب الغيري يختص بالمقدمات الخارجية ولا يشمل الأجزاء.
وهناك محاولات للجواب عن هذا الاشكال وتصحيح جريان الاستصحاب لإثبات وجوب الأقل.
المحاولة الأولى استصحاب الجامع
وذلك بأن يقال إنَّ الجامع بين الوجوب الضمني والوجوب الاستقلالي متيقن سابقاً ونشك في بقائه وهو - أي الجامع - متحقق في الباقي فيُستصحب، من دون ملاحظة الأفراد وإلا ورد الاشكال السابق.
وفيه: إنه من استصحاب الكلي من القسم الثالث، فجامع الوجوب متيقن ولكن في ضمن فرد وهو الوجوب الضمني وقد ارتفع قطعاً بتعذر بعض الأجزاء، وما نشك فيه هو الوجوب الاستقلالي للباقي وهذا لا يقين به سابقاً، وقد اتفقوا على عدم جريان الاستصحاب فيه لعدم تمامية أركانه.
المحاولة الثانية ما ذكره الشيخ الأعظم في الرسائل:
وهي استصحاب الوجوب النفسي الاستقلالي الثابت قبل التعذر، فإنه متيقن ونشك في بقائه عند تعذر بعض الأجزاء فيُستصحب.
فإن قلتَ: إنَّ الموضوع مختلف فالمتيقن هو المركب ذو الأجزاء العشرة والمشكوك هو المركب ذو الأجزاء التسعة فلا يجري الاستصحاب.
قلتُ: لا ضير وذلك باعتبار المسامحة عرفاً في موضوعه فإنَّ العرف يرى الباقي والمركب التام شيئاً واحداً فإنَّ وجود ذلك الجزء المتعذر وعدمه في حكم الحالات المتبادلة على الموضوع الواحد وهو ذلك الواجب المشكوك، ولذا يرى العرف أنَّ ثبوت الحكم للباقي بقاء له وعدم ثبوته ارتفاع له، فيُشار إلى الباقي ويقال هذا كان واجباً والآن كما كان، وهذا نظير استصحاب الكرية من ماء نقص منه مقدار يوجب الشك في بقائه، فإنَّ المتيقن غير المشكوك بالنظر الدِّقي ولكنه هو هو بالنظر العرفي.
وأورد عليه: بأنَّ هذا إنما يصح حينما لا يكون الجزء المتعذر مقوماً للمركب بنظر العرف وأما إذا كان كذلك فلا يصح ما ذُكر، وعليه لا بد لإجراء الاستصحاب من إحراز كون الجزء المتعذر ليس مقوماً للواجب حتى يكون الشك في وجوب سائر الأجزاء شكاً في البقاء فيجري الاستصحاب، ومن الواضح إنَّ إحراز ذلك في المركبات الشرعية ليس متاحاً لنا إذ لا طريق لنا لتمييز ذلك إلا ببيان من الشارع نفسه، ومع الشك لا يجري الاستصحاب لعدم إحراز وحدة الموضوع، وعدم إحراز كون الشك شكاً في البقاء حتى يجري الاستصحاب، نعم قد يصح ذلك في المركبات العرفية.
والكلام يقع أولاً في أصل الإيراد، ثم فيما فُرَّع عليه من أنَّ معرفة المقوِّم من غيره ليس متاحاً لنا.