« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ هادي آل راضي
بحث الأصول

46/07/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الشك في إطلاق الجزئية في حالة النسيان/ أصالة الاحتياط / الأصول العملية

الموضوع: الأصول العملية/ أصالة الاحتياط / الشك في إطلاق الجزئية في حالة النسيان

 

حاصل الاعتراض الأخير على جريان البراءة:

إنَّ وفاء الأقل بالغرض القائم بالأكثر يتصور على نحوين:

فتارة يكون المقصود وجود ملاكين أحدهما قائم بالأكثر والآخر قائم بالأقل في حال النسيان وحينئذٍ يقال إنَّ الاتيان بالأقل يستوفي ملاك الأكثر ومعه يسقط وجوب الأكثر، وأخرى يكون المقصود وجود ملاك واحد يُستوفى بكل واحد منهما، والاعتراض يقول:

إنَّ الكلام السابق مبني على الفرض الأول وذلك باعتبار أنَّ فرض وجود ملاكين مستقلين متعددين مع فرض استيفاء ملاك الأكثر بالإتيان بالأقل لا وجه له إلا بناءً على الاشتراط، أي بأن نقول أنَّ استيفاء الغرض القائم بالأكثر مشروط بعدم استيفاء الغرض بالقائم بالأقل فإذا استوفى الغرض القائم بالأقل سقط وجوب استيفاء الغرض القائم بالأكثر، وبعبارة أخرى إنَّ وجوب الأكثر مشروط بعدم الاتيان بالأقل فإذا جاء بالأقل لا يكون الأكثر واجباً، فإذا رجع ذلك الى الاشتراط يكون جريان البراءة واضحاً، ولكن هذا على احتمال وفاء الأقل بالغرض، وأما على احتمال عدم وفائه بالغرض فوجوب الأكثر لا يسقط، وعليه فالشك في وفاء الأقل بالغرض أو عدم وفائه به يعني الشك في ثبوت التكليف بالأكثر أو عدم ثبوته وهذا شك في التكليف وهو مجرى لقاعدة البراءة.

وأما على النحو الثاني - أي أنَّ الملاك واحد - فلا يكون الشك شكاً في التكليف بل تدخل المسألة في دوران الأمر بين التعيين والتخيير لأنه على تقدير إطلاق الجزئية فالواجب هو الصلاة التامة تعييناً، وعلى تقدير الاختصاص يكون الواجب هو الجامع بين الصلاة التامة بعد التذكر وبين الصلاة الناقصة في حال النسيان، لأنَّ المفروض أنَّ كُلاً منهما يستوفي الملاك الواحد، ومرجعه الى التخيير بين فردي الجامع فيدور الأمر في المقام بين التعيين والتخيير، والأصل الجاري هنا هو ما يُختار في كبرى دوران الأمر بين التعيين والتخيير وهي محل خلاف فبعضهم أجرى البراءة - وهو الصحيح - وبعضهم أجرى الاشتغال.

وبهذا يتم الكلام عن هذه المسألة بتمام مقاماتها الثلاثة المتقدمة، وهي:

الأول في إمكان تكليف الناسي في الناقص، وانتهينا فيه الى الإمكان.

الثاني في بيان الأصل اللفظي، وانتهينا الى تمامية إطلاق دليل الجزئية، من دون فرق بين أن يكون بلسان الإخبار أو بلسان الأمر، فيشمل حالة النسيان.

الثالث في الأصل العملي الجاري في المقام، وتبين أنه البراءة في جميع فروض المسألة.

 

إطلاق الجزئية لحال العجز

كما إذا فرضنا أنَّ شيئاً ثبتت جزئيته في مركب - كالسورة في الصلاة - بلا إشكال أو ثبتت شرطيته كذلك وشككنا في أنَّ هذه الجزئية أو الشرطية هل هي ثابتة في حال العجز أو لا فإذا كانت ثابتة سقط التكليف بالمركب للعجز عن بعض أجزائه، فإن كان دليل الجزئية مختص بحال القدرة والتمكن فلا يسقط الأمر بالمركب وإنما يجب عليه الاتيان بالباقي لأنَّ السورة ليست جزءاً في حال العجز وتصح منه الصلاة، ويترتب على إطلاق الجزئية لحال العجز سقوط الأمر بالمركب ولا دليل على وجوب الباقي، ويترتب على عدم اطلاق دليل الجزئية وجوب الاتيان بالباقي من دون حاجة الى دليل مستقل لأنَّ السورة ليست جزءاً من صلاة العاجز.

والكلام يقع في تمامية إطلاق دليل الجزئية أو عدمه، وعلى الثاني يقع الكلام عن إطلاق دليل الواجب، وهذان الاطلاقان متنافيان بحسب النتيجة، فإطلاق دليل الجزئية ينتج سقوط الأمر بالمركب ولا دليل على وجوب الاتيان بالباقي، وإطلاق دليل الواجب ينتج وجوب الاتيان بالباقي حتى مع العجز عن بعض الأجزاء، ثم نتكلم عن مقتضى الأصل العملي.

وعلى غرار ما تقدم في مسألة النسيان حيث قلنا إنه يتعين الرجوع الى إطلاق دليل الجزئية - إذا كان له إطلاق - ويحكم بسقوط الوجوب عن المركب وعدم وجوب الباقي من دون فرق بين أن يكون دليل الجزئية بلسان الإخبار أو بلسان الأمر وذلك باعتبار أنَّ الأمر في هذه المواضع هو إرشاد الى الجزئية فلا مانع من شموله للعاجز، وأما إذا لم يكن لدليل الجزئية إطلاق فيُرجع الى إطلاق دليل الواجب - إذا كان له إطلاق - ويترتب عليه وجوب الاتيان بالباقي ولا تصل النوبة الى التمسك بالأصل العملي.

وتقدم في البحث السابق أنَّ الاطلاق الأول يتقدم على الاطلاق الثاني مع اجتماعهما لأنه حاكم عليه كحكومة إطلاق القرينة على إطلاق ذي القرينة، كما أنه إذا فرض وجود دليل خاص يدل على وجوب الباقي كقاعدة الميسور يُقدم على الاطلاق الأول، وأما مع عدم وجود هذين الاطلاقين فالمرجع هو الأصل العملي فإذا شُك في وجوب الباقي فلا اشكال في جريان البراءة لنفي وجوبه.

ومن هنا يظهر أنَّ حيثيات البحث المتقدم في النسيان تجري في المقام لأنَّ الشك في كل منهما يقع في إطلاق دليل الجزئية وتقييدها بغير صورة العذر سواءً كان العذر ناشئاً من النسيان أو كان ناشئاً من العجز كما في محل الكلام، فما ذُكر هناك يجري في المقام مع بعض الفوارق بين المقامين.

logo