« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ هادي آل راضي
بحث الأصول

46/07/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الشك في إطلاق الجزئية في حالة النسيان/ أصالة الاحتياط / الأصول العملية

الموضوع: الأصول العملية/ أصالة الاحتياط / الشك في إطلاق الجزئية في حالة النسيان

 

كان الكلام في تعين ما هو الأصل العملي بلحاظ الملاك والغرض وأما بلحاظ التكليف فقد فرغنا عن أنَّ الأصل الجاري هو البراءة مع الاستيعاب ومع عدم الاستيعاب، وسواءً قلنا بإمكان تكليف الناسي بالناقص أو قلنا باستحالة ذلك، وأما بلحاظ الملاك والغرض الذي هو واقع التكليف وروحه فما هو الأصل الجاري عند الشك؟

ذكرنا أنه في صورة الاستيعاب يقال: يمكن فرض علم إجمالي بوجود الملاك إما في الأقل في داخل والوقت وحال النسيان وإما في الأكثر في خارج الوقت، وهذا العلم الإجمالي بالرغم من أنه دائر بين متباينين لكنه لا أثر له لأنَّ أحد طرفيه - وهو وجود الغرض في الأقل - خارج عن محل الابتلاء لأنه امتثله بحسب الفرض.

وأما في صورة عدم الاستيعاب - أي إذا ارتفع النسيان في داخل الوقت - فقد يقال بالاشتغال وذلك لأنَّ الناسي بعد اتيانه بالناقص وارتفاع نسيانه يعلم بأنَّ الواجب عليه هو الصلاة التامة ولم يأتِ بها فشكه حينئذٍ يكون شكاً في السقوط - من جهة احتمال وفائه بالغرض - وهو مجرى لقاعدة الاشتغال.

وأجيب عنه: بأنَّ الناسي بعد زوال النسيان لا يعلم بوجوب الصلاة التامة لأنه على تقدير كون الأقل وافياً بالغرض والملاك يسقط وجوب الأكثر لأنَّ عدم الاتيان بالأقل يكون حينئذٍ شرطاً في وجوب الأكثر لأنه إذا جاء به يستوفي تمام ملاك الأكثر فلا مجال حينئذٍ لوجوب الأكثر، وحينئذٍ يكون الشك في وفاء الأقل بالغرض شكاً في وجوب الأكثر لا محالة لأنه شك في شرط من شرائط وجوبه، فالناسي ما دام يحتمل وفاء ما جاء به بالغرض لا علم له بوجوب الأكثر ومعه لا يكون الشك في السقوط بل يكون شكاً في التكليف فتجري البراءة لنفيه.

نعم لا بد من فرض أنَّ عدم الاتيان بالأقل شرط في التكليف حدوثاً بحيث يكون الاتيان بالأقل كاشفاً عن عدم وجوب الأكثر عليه من أول الأمر حتى يكون الشك في وفائه بالغرض شكاً في حدوث التكليف بالأكثر، وأما إذا كان شرطاً في التكليف بقاءً لا حدوثاً فلا مانع من دعوى العلم بالتكليف بالأكثر حدوثاً وإن شك في سقوطه بقاءً للشك في وفائه بالغرض ومع علمه بالتكليف حدوثاً يكون شاكاً في سقوطه بالأقل فتجري قاعدة الاشتغال.

ومن هنا لا بد لمنع جريان قاعدة الاشتغال في المقام من إثبات أنَّ عدم الاتيان بالأقل - على تقدير وفائه بالغرض - شرط في التكليف بالأكثر حدوثاً وإلا فلا بد من جواب أخر لدفع تقريب جريان قاعدة الاشتغال.

والجواب المقترح هو أن يقال:

إنَّ الشك في المقام إنما يكون شكاً في السقوط بلحاظ عالم الجعل باعتبار أنَّ المولى لا يمكنه إيجاب الأقل على الناسي حسب الفرض فيقال حينئذٍ إنَّ الأقل ليس مأموراً به والناسي مكلف بالأكثر من أول الأمر ويُشك في سقوطه بالأقل، لكن هذا بلحاظ عالم الجعل والتكليف، وأما بلحاظ عام الملاك والغرض فلا مجال للقول باستحالة فرض وجود الملاك في الأقل وإن كان يستحيل التكليف به، وعليه فالأمر بلحاظ عالم الملاك يدور بين أن يكون الغرض في الأقل أو في الأكثر وحينئذٍ يمكن إجراء البراءة الشرعية - والمقصود بها حديث الرفع بالخصوص - في الأكثر باعتبار أنَّ حديث الرفع لا يُفهم منه عرفاً الاختصاص بالمجعول الشرعي بل يشمل كل تحميل شرعي يكون بفعل الشارع، والمقام من هذا القبيل لأنَّ المولى وإن لم يتمكن من جعل التكليف بالأقل على الناسي لكنه يمكنه بيان الملاك والغرض ولو بنحو الإخبار فتجري البراءة عن الإخبار الزائد الذي يتضمن التحميل فنصل الى نفس النتيجة وهي جريان البراءة لنفي وجوب الأكثر بلحاظ الغرض والملاك، إما بحديث الرفع وإما بغيره من أدلة البراءة الشرعية الخالية من كلمة (الرفع) وإما بالبراءة العقلية.

logo