« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ هادي آل راضي
بحث الأصول

46/07/12

بسم الله الرحمن الرحيم

الشك في إطلاق الجزئية في حالة النسيان/ أصالة الاحتياط / الأصول العملية

الموضوع: الأصول العملية/ أصالة الاحتياط / الشك في إطلاق الجزئية في حالة النسيان

 

ذكرنا بأنَّ السيد الخوئي قده يبدو منه التفصيل بين ما إذا قلنا بإمكان تكليف الناسي بغير الجزء المنسي - أي بالناقص - وبين ما إذا قلنا باستحالة ذلك، فتجري البراءة على الأول ولا تجري على الثاني وإنما يجري الاشتغال، أما إذا قلنا بالإمكان فباعتبار أنَّ الشك في إطلاق الجزئية أو عدمه يرجع الى الشك في وجوب الإعادة أو عدم وجوب الإعادة وهو شك في التكليف فتجري فيه البراءة، وبيان ذلك:

إنه على تقدير إطلاق الجزئية بمعنى أنَّ الجزئية ثابتة حتى في حالة النسيان تجب الإعادة على تقدير ارتفاع العذر لأنَّ المكلف لم يأتِ بالواجب، وعلى تقدير تقييد الجزئية واختصاصها بالمتذكر بمعنى أنَّ الجزء ليس جزءاً في حالة النسيان فيكتفي بما جاء به وهو الناقص لأنه مأمور به ولا تجب عليه الإعادة، وهذا يعني أنَّ الشك في الإطلاق والتقييد شك في التكليف وعدمه فتجري فيه البراءة لنفيه.

بخلاف ما إذا قلنا بالاستحالة فما صدر من الناسي ليس مأموراً به، فيرجع الشك الى أنَّ الواجب هل يسقط بما صدر منه أو لا، وهذا شك في السقوط وهو مجرى لقاعدة الاشتغال.

كما ذكرنا بأنَّ المحقق النائيني قده اختار عدم جريان البراءة حتى على القول بإمكان تكليف الناسي بالناقص ويتعين الاشتغال مطلقاً، وذلك باعتبار إنَّ الشك في المقام هو دائماً من قبيل الشك في سقوط التكليف بما جاء به، وذلك باعتبار أنَّ الجزئية إذا كانت مطلقة وشاملة لحال النسيان فيكون الواجب منحصراً بفرد وهو ما يكون واجداً للجزء، وأما إذا كانت الجزئية مقيدة بحالة التذكر بمعنى أنَّ السورة ليست جزءاً في حال النسيان فالواجب له فردان هما الفاقد للجزء في حال النسيان والواجد للجزء بعد ارتفاع النسيان، فيكون الواجب عليه هو الجامع بين الواجد والفاقد، والمكلف يعلم باشتغال ذمته بالصلاة قطعاً ولكنه لا يعلم هل ما اشتغلت به الذمة هو النحو الأول أي الفرد الواجد فقط أو الثاني أي الجامع بين الفاقد والواجد وذلك للشك في اطلاق الجزئية أو تقييدها، وعلى الأول لا يكون ما جاء به - وهو الناقص - كافياً في الامتثال، وعلى الثاني يكون ما جاء به مصداقاً للمكلف به وهو الجامع، فيرجع ذلك الى الشك في سقوط ما اشتغلت به الذمة، والشك في السقوط مجرى لقاعدة الاشتغال.

ويلاحظ عليه: بأنَّ المقام يدخل في الدوران بين الأقل والأكثر الارتباطيين، غاية الأمر إنَّ الشك في المقام يكون في حال النسيان بخلاف أصل المسألة فإنه يكون مطلقاً وليس مختصاً بحال النسيان، وكما أنَّ الأقل هناك - وهو وجوب التسعة مطلقاً - له فردان الواجد والفاقد ويكون الواجب هو الجامع بينهما كذلك في الأقل في المقام - أي وجوب الصلاة المطلقة من حيث الجزء المنسي - له فردان هما الفاقد حال النسيان والواجد بعد ارتفاع النسيان، ويكون الواجب هو الجامع بينهما، وكما تجري البراءة هناك لنفي الأكثر وهي الصلاة المقيدة بالسورة وبعد نفي الجزء يثبت عدم اعتباره في الصلاة وحينئذٍ يتخير المكلف بين الفاقد والواجد ويكون كل منهما مبرأً للذمة كذلك تجري البراءة في محل الكلام لنفي الأكثر أي وجوب الصلاة المقيدة بالسورة في حال النسيان، وبذلك تنتفي الجزئية في حال النسيان ويثبت التخيير بين الفاقد حال النسيان والواجد بعد ارتفاعه ويكون كلاً منهما مبرأً للذمة.

والحاصل: إنَّ القائل بالبراءة هناك لا بد أن يلتزم بها في محل الكلام لأنَّ الأمر في كل منهما يدور بين الأقل والأكثر الارتباطيين ولا وجه للتفريق بينهما.

بل يمكن أن يقال إنه لا بد من الالتزام بالبراءة في المقام حتى إذا التزمنا بعدم جريانها في أصل المسألة - كما ذهب إليه جماعة بدعوى عدم انحلال العلم الإجمالي - وذلك باعتبار أنَّ المقام يتميز بأنَّ العلم الإجمالي فيه ليس منجَّزاً بقطع النظر عن فرض الانحلال لأنه إنما يتكون بعد خروج بعض أطرافه عن محل الابتلاء، وذلك باعتبار أنَّ الناسي حال النسيان لا يُعقل أن يحصل له علم إجمالي بوجوب الصلاة مع السورة أو وجوبها بلا سورة لأنه موجب لالتفاته وخروجه عن كونه ناسياً، وإنما المعقول أن يحصل له علم إجمالي بعد الإتيان بالصلاة وارتفاع النسيان، فإنه حينئذٍ يعلم بأنَّ الواجب عليه إما الأكثر أي الصلاة التامة الآن وإما الأقل أي الجامع بين التامة والناقصة، وهذا العلم الإجمالي لا يكون منجَّزاً لأنه حصل بعد الاتيان بأحد طرفيه حال النسيان وهو الأقل - أي الجامع - لأنَّ ما أتى به الناسي مصداق للجامع، ومن الواضح إنَّ العلم الإجمالي بالتكليف إذا حصل بعد الاتيان بأحد طرفيه وامتثال التكليف فيه لا يكون منجِّزاً للطرف الآخر لأنه يعتبر في المنجزية أن يكون صالحاً للتنجيز على كل تقدير، وهذا لا يُفرق فيه بين أن يكون النسيان مختصاً ببعض الوقت أو يكون مستوعباً لتمام الوقت، لأنَّ العلم الإجمالي في كل منهما يحصل بعد الاتيان بأحد طرفيه غايته أنه يحصل في داخل الوقت إذا كان النسيان في بعض الوقت ويحصل في بعد الوقت إذا كان النسيان مستوعباً لتمام الوقت ولا أثر له في منجزية العلم الإجمالي.

logo