46/07/11
الشك في إطلاق الجزئية في حالة النسيان/ أصالة الاحتياط / الأصول العملية
الموضوع: الأصول العملية/ أصالة الاحتياط / الشك في إطلاق الجزئية في حالة النسيان
تبين مما تقدم أنَّ التمسك بحديث الرفع لتصحيح صلاة الناسي غير تام لأنه يبتني على القول بأن المقصود به هو أنَّ المرفوع هو ما ينشأ من النسيان، كما يبتني على أنَّ الرفع ليس رفعاً حقيقياً وإنما هو رفع عنائي للوجود الخارجي وقد تقدم تفصيله.
ثم الكلام تارة عن فرض حصول النسيان في بعض الوقت وأخرى عن فرض حصول النسيان في تمام الوقت، أما الأول فبناءً على الرأي الصحيح في تفسير حديث الرفع - من أنه عبارة عن رفع حقيقي للوجود التشريعي - فلا يشمله الحديث ولا يمكن تصحيح الصلاة، وذلك باعتبار أنَّ ترك السورة في بعض الوقت ليس له وجود تشريعي حتى يُرفع بالحديث وينزل منزلة الوجود، وأما الموجود بالوجود التشريعي - وهو ترك السورة في تمام الوقت - فليس مورداً للنسيان.
وأما الثاني - أي النسيان في تمام الوقت - فيشمله حديث الرفع لأنَّ له وجود تشريعي فيُرفع بالحديث فلا يكون ترك السورة حراماً، إلا أنَّ الحديث إنما يقتضي رفع هذا الترك تشريعاً في صورة صدوره نسياناً وهذا معناه رفع حكمه، ويثبت حينئذٍ عدم حرمة هذا الترك وهذا لا يستلزم تصحيح الصلاة لأنَّ ارتفاع وجوب السورة يمكن أن يكون مع ارتفاع وجوب أصل الصلاة ويمكن أن يكون مع فرض وجوب الباقي فهو لازم أعم، فلا يثبت بمجرد شمول الحديث لهذا الفرض وجوب الاتيان بالباقي حتى يمكن تصحيح الصلاة.
ومن هنا يتبين أنَّ إطلاق دليل الجزئية لحالة النسيان - الذي يقتضي الجزئية في حالة النسيان وبطلان صلاة الناسي - يكون محكوماً بحديث (لا تعاد) في خصوص الصلاة على المشهور، لأنَّ الحديث يقتضي صحة صلاة الناسي وهو يعني أنَّ السورة ليست جزءاً في حال النسيان بخلاف إطلاق دليل الجزئية الذي يثبت جزئيتها ويقتضي بطلان صلاة الناسي فيتنافيان، وحيث أنَّ حديث (لا تعاد) أخص منه فيقدم عليه، أو يكون محكوماً له على الخلاف.
وأما في غير الصلاة من الواجبات فالصحيح أنه لا يمكن تصحيح عمل الناسي بحديث الرفع سواءً كان النسيان في بعض الوقت أو كان في تمام الوقت على ما بينا، نعم يمكن تصحيح عمل الناسي بأدلة أخرى من قبيل قاعدة الميسور ونحوها على كلام في ذلك.
هذا كله في المقام الثاني وهو في الأصل اللفظي.
المقام الثالث فيما يقتضيه الأصل العملي:
وهو المقصود الأساس في محل الكلام، فهل يقتضي الأصل العملي البراءة أو الاشتغال؟
رأي السيد الخوئي قده:
يظهر من السيد الخوئي التفصيل بين القول بإمكان توجيه الخطاب بالناقص الى الناسي وبين القول باستحالته، فعلى القول بالإمكان تجري البراءة لأنَّ الجزئية لا تخلو من إحدى حالتين:
إما أن تكون مطلقة لحال النسيان وإما أن تكون مقيدة بحال التذكر، وعلى الأول تجب إعادة الصلاة بتمام أجزائها وشرائطها لأنَّ المكلف لم يأتِ بالواجب الذي فرضنا إمكان الخطاب به، وعلى الثاني فيمكنه الاكتفاء بما جاء به ولا تجب الإعادة لأنَّ ما جاء به ليس فاقداً لشيء مما يُعتبر في الواجب وينطبق المأمور به على ما جاء به، وعليه فالمكلف بعد تذكره يشك في وجوب إعادة الصلاة أو لا، لأنه إن كانت الجزئية مطلقة فتجب الإعادة وإن كانت الجزئية مقيدة فلا تجب الإعادة، وهذا شك في التكليف تجري فيه البراءة، هذا على القول بالإمكان.
وأما على القول بالاستحالة فتجري قاعدة الاشتغال لأنَّ ما صدر من الناسي غير مأمور به يقيناً، وإنما يُشك في صحته وفساده من الشك في وفائه بالغرض وعدمه فيتعين حينئذٍ الرجوع الى الاشتغال لأنَّ سقوط الأمر بالإتيان بغير المأمور به يحتاج الى دليل مفقود في المقام.
رأي المحقق النائيني قده:
وظاهر المحقق النائيني هو عدم جريان البراءة حتى بناءً على إمكان تكليف الناسي بالناقص، وذلك باعتبار أنَّ الشك في المقام من قبيل الشك في سقوط التكليف بما جاء به في حال النسيان، وذلك لأنَّ الجزئية إن كانت مقيدة بحال الذكر فيكون المكلف به هو الجامع بين الصلاة التامة الواجدة للجزء وبين الصلاة الفاقدة للجزء في حال النسيان، وأما إن كانت مطلقة وشاملة لحال النسيان ، فيأتي الكلام فيه.