« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ هادي آل راضي
بحث الأصول

46/07/07

بسم الله الرحمن الرحيم

 الشك في الجزئية في حالة النسيان/ أصالة الاحتياط / الأصول العملية

الموضوع: الأصول العملية/ أصالة الاحتياط / الشك في الجزئية في حالة النسيان

 

انتهينا الى المقام الثاني وهو ما يقتضيه الأصل اللفظي، وهو في المقام عبارة عن اطلاقين متنافيين كل منهما يثبت خلاف ما يثبته الآخر، وهما إطلاق دليل الجزئية الذي يقتضي ثبوت الجزئية حتى في حال النسيان، ولازمه بطلان صلاة الناسي لأنها فاقدة لجزئها، وإطلاق دليل الواجب الذي يقتضي عدم الجزئية حال النسيان، ويترتب عليه صحة صلاة الناسي، وبناءً عليه تكون الصور المتصورة أربعة:

الأولى: أن يكون لدليل الجزئية إطلاق دون دليل الواجب، فنأخذ بإطلاق دليل الجزئية ونحكم ببطلان صلاة الناسي.

الثانية: أن يكون لدليل الواجب إطلاق دون دليل الجزئية، فنأخذ بإطلاق دليل الواجب ونحكم بصحة صلاة الناسي.

الثالثة: أن يكون لكل منهما إطلاق وهما متنافيان فيتعارضان ويتعين تقديم إطلاق دليل الجزئية ويحكم بها حتى في حال النسيان مما يقتضي بطلان صلاة الناسي - بقطع النظر عن القواعد الثانوية المصححة لعمل الناسي - والسر في هذا التقديم هو ما ذُكر في محله من أنَّ إطلاق دليل المقيِّد يتقدم على إطلاق دليل المقيَّد - أي المطلق -.

الرابعة: ما إذا لم يكن لكل منهما إطلاق كما إذا فرضنا أنَّ دليل الجزئية كان لُبياً - كالإجماع - لا إطلاق فيه فتصل النوبة الى الأصل العملي بلا إشكال وهو المقام الثالث الآتي.

الإشكالات التي أُثيرت حول هذين الإطلاقين:

أما إطلاق دليل الواجب فاستُشكل فيه بأنه يقتضي وجوب الناقص على الناسي والاختصاص به دون الذاكر والمفروض أنه محال.

وهذا هو اشكال الشيخ الأعظم المتقدم، وتقدم جوابه بوجوه ثلاثة إما بافتراض خطابين أحدهما تكليف بالناقص وهو عام يشمل الناسي والمتذكر والآخر خطاب بالجزء يختص بالمتذكر، وإما بخطاب عام يشمل الناسي والذاكر متعلق بالطبيعة والاختلاف من جهة المصداق، وقد مر تفصيله.

نعم قد يستشكل في إطلاق دليل والواجب بشيء آخر وهو أن يقال بأنَّ الاطلاق في مثل هذه الخطابات - خصوصاً القرآنية - يكون عادة لبيان أصل التشريع وليس لبيان جميع ما يعتبر فيها وذلك لأنَّ المتكلم ليس في مقام بيان من هذه الجهة، وبتعبير أدق لا إطلاق في هذه الخطابات أصلاً.

وأما إطلاق دليل الجزئية فاستشكل فيه بأنَّ الدليل تارة نفترض أنه بلسان الأمر، وأخرى نفترض أنه بلسان الإخبار، أما الأول فلا يشمل الناسي لاستحالة تكليفه بالجزء المنسي وهو من باب تكليف العاجز وهو محال، فيختص الخطاب بالمتذكر، فلا بد من الرجوع الى إطلاق دليل الواجب إن وجد وإلا فإلى الأصل العملي.

وأما الثاني فلا مانع من شموله للناسي - وإن كان عاجزاً عن الاتيان بالجزء المنسي- وذلك لأنَّ المتكلم في مقام بيان الجزئية والحكم الوضعي وليس في مقام الحكم التكليفي، فنرجع الى إطلاق دليل الجزئية في هذه الحالة فقط لإثبات جزئية الجزء كالسورة حتى في حالة النسيان، وهو يقتضي بطلان صلاة الناسي.

والحاصل: إنَّ دليل الجزئية إن كان بلسان التكليف فهو لا يشمل الناسي حتى نتمسك بإطلاقه، وإن كان بلسان الإخبار فلا مانع من التمسك بإطلاقه لأنه يشمل الناسي كما يشمل المتذكر.

وأجيب عنه بوجوه:

الأول: إنَّ منشأ انتزاع الجزئية ليس هو الحكم التكليفي النفسي حتى يقال لا بد من اختصاص الجزئية بالمتذكر ويستحيل تكليف الناسي وإنما هو منتزع من التكليف الغيري المتعلق بأجزاء الصلاة، ولا موجب لاختصاص هذا التكليف بالمتذكر بل يعم الناسي والمتذكر وتثبت الجزئية لهما بإطلاق دليل الجزئية، وهذا كالإخبار بالجزئية ولا مانع من اخبار الناسي بالجزئية.

وفيه: إنَّ الأمر الغيري المقدمي للجزء لا يعقل بأن يكون منشأ لانتزاع الجزئية لأنه منتزع منها ومعلول لها لأنه يتعلق بالجزء بعد الفراغ عن جزئيته فكيف يدعى أنَّ الجزئية معلولة للتكليف الغيري؟!

الثاني: إنَّ الأمر بالجزء ليس أمراً مولوياً حتى يختص بالمتذكر القادر بل هو إرشاد الى الجزئية وهو يشمل العاجز والناسي كما يشمل القادر والمتذكر إذ لا محذور في إرشاد العاجز الى الجزئية في حال العجز.

وفيه: أولاً: المسلَّم هو أنه لا مانع من شمول الأمر الإرشادي للعاجز وأما التعميم للناسي فيمكن التأمل فيه وذلك لأنَّ ارشاده الى الجزئية يخرجه عن كونه ناسياً.

وثانياً: إنَّ الأمر بالجزء لا يصح حمله على الإرشاد الصرف الى الجزئية بنحو لا يستبطن المولوية والتحريك فإنَّ ذلك يستلزم عدم الفرق بين قوله (اقرأ السورة في الصلاة) وبين قوله (السورة جزء من الصلاة) وهو خلاف الوجدان، فإنَّ الوجدان شاهد على أنَّ الأول لا يمكن أن يشمل العاجز وأما الثاني فيمكن أن يشمله، وهذا الفرق لا يمكن تفسيره إلا على أساس أنَّ الثاني خالٍ من المولوية والتحريك فأمكن شموله للعاجز بخلاف الأول فإنه يشتمل على التحريك فلا يمكن أن يشمله.

نعم الأمر بالجزء يشتمل على التحريك لكنه ليس بملاك مستقل في الجزء وإنما بملاك في المركب والجزء مقدمة له.

 

logo