46/07/06
الشك في الجزئية في حالة النسيان/ أصالة الاحتياط / الأصول العملية
الموضوع: الأصول العملية/ أصالة الاحتياط / الشك في الجزئية في حالة النسيان
الاعتراض الثاني على ما ذكره صاحب الكفاية:
إنَّ التكليف العام - الشامل للناسي والذاكر المتعلق بالناقص - لا يكون محركاً للناسي وذلك لأنَّ الناسي دائماً يأتي بالناقص بداعي امتثال الأمر بالتام لأنه يرى نفسه متذكراً لغفلته عن نسيانه، فهو يأتي بالناقص غير ملتفت للأمر بالناقص، فلا يرتب أي أثر على الأمر بالناقص بالنسبة الى الناسي فيكون جعله في حقه لغواً.
نعم يترتب عليه أثر بالنسبة الى المتذكر فيأتي بالناقص بمقتضى الخطاب الأول وبالجزء الزائد بمقتضى الخطاب الثاني فيأتي بالتام امتثالاً لمجموع الخطابين.
وفيه: أنه لا أمر بالتام بحسب فرض المحقق خراساني حتى يقصده الناسي فإنَّ الأمر بالتام لا بد أن يختص بالمتذكر لاستحالة تكليف الناسي بالجزء المنسي، فإن وجد أمر بالتام فلا بد من اختصاصه بالمتذكر وأما الناسي فلا بد من أمر يختص به فيعود الاشكال.
والحاصل لا يوجد على هذا الوجه خطاب بالتام في حق المتذكر حتى يقال بأنَّ الناسي يقصد امتثاله ولا يقصد امتثال الأمر بالناقص فلا يكون محركاً للناسي ويكون لغواً وإنما هناك أمر عام بالناقص وأمر بالجزء المنسي يختص بالمتذكر.
هذا مضافاً الى أنَّ محذور اللغوية إنما يرد إذا كان الخطاب مختصاً بالناسي وأما إذا كان عاماً وشاملاً للمتذكر فلا يرد هذا المحذور لكفاية ترتب الأثر بالنسبة الى المتذكر، وهذا نظير ما يقال من أنَّ التكليف يستحيل أن يشمل العاجز ومرادهم هو يستحيل أن يختص التكليف بالعاجز لأنه لا يكون محركاً له، وأما التكليف الشامل للقادر والعاجز فلا محذور فيه.
ومنه يظهر عدم ورود الاعتراضين المتقدمين على هذا الوجه الذي ذكره صاحب الكفاية.
الوجه الثاني - للتخلص من إشكال الشيخ الأنصاري - هو ما اختاره المحقق العراقي، وحاصله:
هناك خطاب واحد عام شامل للناسي والذاكر ويتعلق بالطبيعة الجامعة بين التام والناقص - على غرار الطبيعة التي صورها القائل بالوضع للصحيح في بحث الصحيح والأعم - ويكون الاختلاف بينهما من جهة المصداق محضاً لا من جهة أصل المأمور به فإنه واحد فيهما وهو الطبيعة والجامع وإنما يختلفان في أنَّ المصداق الصادر من الناسي في مقام امتثال هذا الأمر بالطبيعة غير المصداق الذي يصدر من المتذكر، غاية الأمر إنَّ الناسي يعتقد أنَّ المصداق الصادر منه هو نفس المصداق الصادر من المتذكر تخيلاً ولكن لا أثر لذلك على الامتثال، وبذلك يرتفع الاشكال لأنه مبني على افتراض تعدد الخطاب واختصاص الناسي بأحدهما وهو المتعلق بالناقص، فإذا افترضنا أنَّ الخطاب واحد وتعلق بمطلق المكلف فلا يرد الاشكال لأنَّ الناسي يمكن أن يلتفت اليه ويتحرك عنه مع بقائه على نسيانه.
قد يقال: إنَّ التكليف إذا كان متعلقاً بالجامع بين الناقص والتام فيلزم منه أنَّ المتذكر يمكنه أن يأتي بالناقص في مقام الامتثال ولا يمكن الالتزام بذلك.
ويجاب: يمكن التخلص من هذا الاشكال بتقييد الناقص بما إذا اقترن بالنسيان، فلا يكون الناقص غير المقترن بالنسيان مصداقاً للجامع فلا يمتثل به المتذكر.
الوجه الثالث: وهو نفس الوجه المتقدم - أي أنَّ الخطاب واحد وعام ومتعلق بالجامع - مع افتراض أنَّ المكلف به هو الجامع بين التام وبين ما يتذكره المكلف ويلتفت اليه من الأجزاء، فما يأتي به الناسي يكون مصداقاً للجامع، وبهذا يمكن التخلص من اشكال عدم تحديد الجزء المنسي الذي يختلف باختلاف الأفراد والأحوال.
هذه وجوه ثلاثة للتخلص من الاشكال وهي بحسب الحقيقة تعترف به وتحاول التخلص منه بافتراض أنَّ الناسي مكلف بالناقص لكن لا بخطاب مختص به بل بخطاب عام متعلق بالناقص يشمله ويشمل المتذكر، أو بخطاب عام كذلك يتعلق بالجامع بين التام والناقص، أو متعلق بالجامع بين التام وبين ما يذكره من الأجزاء، وعليه يمكن تصحيح العمل الصادر من الناسي على أساس الامتثال.
هذا كله بمقتضى القاعدة الأولية وبقطع النظر عن القواعد الثانوية المصححة للعمل كقاعدة (لا تعاد) ونحوها، وبه يتم الكلام عن المقام الأول.
المقام الثاني في تحديد الأصل اللفظي عند الشك في إطلاق الجزئية لحالة النسيان:
والمتصور جريانه من الأصول اللفظية في المقام هو أمران:
الأول: إطلاق دليل الجزئية أو الشرطية لحال النسيان، وهو يقتضي ثبوت الجزئية في حال النسيان ولازمه بطلان صلاة الناسي.
الثاني: إطلاق دليل الواجب لجميع الحالات ومنها حالة النسيان، وهو يقتضي وجوب الصلاة حتى إذا نسي الجزء مما يعني عدم جزئية هذا الجزء في حال النسيان، ولازمه صحة صلاة الناسي لأنَّها صلاة مأمور بها.
وبناءً عليه يمكن تصور أربعة صور في المقام:
الأولى: ما إذا فرضنا أنَّ دليل الجزئية كان له إطلاق لكن دليل الواجب ليس له إطلاق فيتعين الأخذ بإطلاق دليل الجزئية ويترتب عليه بطلان صلاة الناسي.
الثانية: عكس الأولى، أي نفترض الاطلاق في دليل الواجب وعدم الاطلاق في دليل الجزئية فيؤخذ بإطلاق دليل الواجب ويحكم بعدم الجزئية في حال النسيان ويترتب عليه صحة صلاة الناسي.
الثالثة: ما إذا كان لكل منهما إطلاق، فيقع التعارض بينهما.
الرابعة: ما إذا لم يكن لكل منهما إطلاق فتصل النوبة الى الأصل العملي