46/06/30
دوران الأمر بين الأقل والاكثر في المحصِّل/ أصالة الاحتياط / الأصول العملية
الموضوع: الأصول العملية/ أصالة الاحتياط / دوران الأمر بين الأقل والاكثر في المحصِّل
انتهينا الى أنَّ اثبات عدم لزوم الاحتياط وجواز الاكتفاء بالأقل لا ينحصر بإجراء البراءة في السببية والجزئية بل يمكن إثبات ذلك بإجراء البراءة في المسبَّب بالمقدار الذي لم يتم عليه البيان، فيكتفى بالأقل ولا يجب الاحتياط، نعم إذا لم نلتزم بذلك وقلنا بعدم امكان جريان البراءة في المسبَّب فلا بد من الاحتياط في مثال الطهارة.
نعم يمكن اجراء البراءة بطريق آخر لكنه يتوقف على إخراج المثال من مورد الشك في المحصِّل ويكون بدعوى أنَّ الطهارة المأمور بها هي نفس أفعال الوضوء من الغسلات والمسحات وليست شيئاً آخر غيرها، فإنه بناءً عليه يكون الشك في اعتبار شيء في الوضوء شكاً في اعتباره في نفس الواجب فيدخل في دوران الأمر بين الأقل والأكثر في باب الأجزاء وتجري فيه البراءة على ما تقدم.
وقد يقال بإمكان اجراء البراءة في مثال الطهارة إذا قلنا بأنَّ الطهارة هي المسبَّب إلا أنها عنوان انتزاعي ينطبق على الوضوء وليس مسبباً عنها، وذلك من قبيل التعظيم فإنه عنوان ينطبق على القيام وإن كان غيره، فالطهارة ليست هي أفعال الوضوء لكنها عنوان ينطبق على أفعل الوضوء، فتكون نسبة الوضوء الى الطهارة كنسبة القيام الى التعظيم، وهي نسبة المعنون الى العنوان، فإنَّ القيام بنفسه تعظيم لا أنه شيء وراء القيام يحصل بسبب حصوله، فليس من قبيل الملكية والزوجية بالنسبة الى العقد، وفي المقام يقال إنَّ الوضوء طهارة ويكون الشك في اعتبار شيء في الوضوء شكاً في الواجب المأمور به أيضاً لاتحاده معه وجوداً فتجري البراءة حينئذٍ.
وفيه: إنَّ المفروض أنَّ المأمور به هو هذا العنوان وهو حتى إذا كان منطبقاً على الوضوء ومتحداً معه في الوجود فهو يكون متحققاً بالوضوء وموجوداً بعين وجود الوضوء وحينئذٍ يكون الشك في اعتبار شيء في الوضوء شكاً في المحصِّل ولا يكون شكاً في الواجب، فلا بد فيه من الاحتياط ولا تجري فيه البراءة، وهو نظير ما إذا وجب تعظيم العالم ودار أمر محصِّله بين الأقل والأكثر فلا يمكن الاكتفاء بالأقل ولا بد من احراز انطباق العنوان ولا يحرز إلا بالأكثر فلا بد من الاحتياط.
وقد تبين مما تقدم أنَّه في موارد دوران الأمر بين الأقل والأكثر في المحصِّل لا مانع من جريان البراءة العقلية والشرعية في المسبَّب بالمقدار الذي لم يتم عليه البيان على سببه، فالطهارة المأمور بها لا تتنجز على المكلف إلا بمقدار ما تم عليه البيان.
هذا كله إذا قلنا بأنَّ الأمر يتوجه الى المسبب لا الى السبب.
كلام المحقق الشيخ حسين الحلي:
يظهر من الشيخ حسين الحلي اختيار جريان البراءة في الأسباب الشرعية، وهي إنما تكون اسباباً عندما يكون المسبَّب أمراً شرعياً، وفي مثله لا يتوجه الأمر إلا الى السبب، بل لا يعقل توجهه الى المسبَّب لأنه حكم وضعي مجعول للشارع عند تحقق سببه، ولكي يتحقق السبب لا بد من أن يؤمر به شرعاً ويترتب عليه تحقق المسبب، فليس في البين إلا موضوعات هي أفعال المكلف جُعلت لها أحكام شرعية على نحو القضية الحقيقية، فالزوجية والملكية تترتب على عقد والعقد فعل المكلف، والطهارة من هذا القبيل فالمأمور به هو السبب ولا اشكال في جريان البراءة فيه لدخوله في دوران الأمر بين الأقل والأكثر في باب الأجزاء.
وفيه: أنه خروج عن محل الكلام أيضاً، والمفروض في الشك في المحصِّل هو وتوجه الأمر الى المسبَّب لا الى السبب.
القول الثالث: تفصيل المحقق العراقي:
اختار المحقق العراقي التفصيل بين ما إذا كان العنوان البسيط المأمور به ذا مراتب متدرجة الحصول والتحقق من قِبل أجزاء سببه ومحصِّله بأن يكون كل جزء من أجزاء السبب مؤثراً في تحقق مرتبة من ذلك العنوان الى أن تتم كل الأجزاء فتتحقق المرتبة الكاملة التي هي منشأ للأثار، وبين ما لا يكون كذلك بأن كان العنوان البسيط غير مختلف المراتب ودفعي الحصول عند تمامية سببه، ففي الأول تجري البراءة لأنَّ مرجع الشك حينئذٍ الى الشك في سعة ذلك الأمر البسيط وضيقه، فينتهي الأمر الى الأقل والأكثر في نفس الواجب فتجري فيه البراءة، وأما الثاني فلا تجري فيه البراءة لأنه دفعي الوجود فالشك في اعتبار شيء في سببه يكون شكاً في المحصِّل ولا تجري فيه البراءة.