« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ هادي آل راضي
بحث الأصول

46/06/27

بسم الله الرحمن الرحيم

دوران الأمر بين الأقل والاكثر في الشبهات الموضوعية/ أصالة الاحتياط / الأصول العملية

الموضوع: الأصول العملية/ أصالة الاحتياط / دوران الأمر بين الأقل والاكثر في الشبهات الموضوعية

 

تقدم عرض الأمثلة التي ذكرها الشيخ الأنصاري لمسألة دوران الأمر بين الأقل والأكثر في الشبهات الموضوعية وتقدمت الملاحظة عليها، والظاهر أنه لا إشكال في أنَّ حكمها وهو وجوب الاحتياط بحسب طرحه لها، وحاصله:

لو تعلق الأمر بمفهوم مبيَّن وشُك في تحققه بالأقل فيكون الشك في الامتثال، ولا إشكال في كونه مورداً للاشتغال، فلو وجوب عليه أن يصوم شهراً هلالياً فلا إجمال في هذا المفهوم وإنما الشك في المحقق الخارجي له فهل هو 29 أو 30 يوماً، فيشك المكلف في امتثال التكليف بصيام الأقل فلا بد من الفراغ اليقيني ولا يحصل إلا بالأكثر، فوجوب الاحتياط واضح، بل يمكن التمسك باستصحاب عدم تحقق الواجب عند الاتيان بالأقل فيثبت وجوب الاتيان بالأكثر أيضاً بحسب هذا الطرح للمسألة.

كلام المحقق النائيني:

ورد في فوائد الأصول بأنَّه يمكن فرض الشبهة الموضوعية في الأقل والأكثر الارتباطيين، وذكر أنه يتحقق في التكاليف التي لها تعلق بالموضوعات الخارجية، أي التكاليف التي لها متعلق المتعلق نحو (أكرم العالم) فإنَّ الاكرام هو متعلق التكليف والعالم متعلق متعلق التكليف الذي يصطلح عليه بالموضوع، فالتكليف يختلف متعلقه سعة وضيقاً بحسب ما يفرض من أفراد الموضوع، فدائرة الإكرام تتسع بمقدار ما للعلماء من أفراد، لأنَّ زيادة العلماء توجب زيادة الاكرام الواجب، فإذا شُك في عالمية فرد فقد شُك في وجوب اكرامه، فإذا عُلم بمقدار من العلماء وشك في عالمية البعض فالإكرام الواجب يتردد بين الأقل والأكثر بنحو الشبهة الموضوعية.

ويلاحظ عليه بإنَّ المثال المذكور هو من الدوران بين الأقل الأكثر الاستقلاليين أيضاً وليس بين الأقل والأكثر الارتباطيين وإن تردد بين الأقل والأكثر بنحو الشبهة الموضوعية.

ثم يقول وأما إذا لم يكن له تعلق بالموضوعات الخارجية - كما في وجوب أجزاء الصلاة - فلا مجال للتردد بين الأقل والأكثر بنحو الشبهة الموضوعية وذلك باعتبار أنَّ المفروض هو أنَّ التكليف لا تعلق له بالموضوع الخارجي فلا معنى للشك من ناحية الموضوع، وإنما يكون الشك في متعلق الحكم كأن يُشك في أنَّ الواجب هل هو قراءة السورة مع البسملة أو بدونها، أو أنَّ الركوع هل يُعتبر فيه الطمأنينة أو لا، فيكون من الشبهة الحكمية.

والذي يمكن أن يقال في المقام هو أنه يمكن فرض الشبهة الموضوعية مع التردد بين الأقل والأكثر حتى في القسم الثاني وذلك كما إذا شك المكلف في الاتيان بالجزء فيدور الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين مع كون الشبهة موضوعية، نعم لا بد من الاحتياط في هذا الفرض وذلك باعتبار إنَّ هذا الشك يرجع الى الشك في امتثال التكليف الذي اشتغلت به الذمة وهو مجرى للاشتغال، هذا مثال بلحاظ المكلَّف به.

مثال آخر بلحاظ المكلف، وذلك كما إذا علم المكلف بأنَّ السورة واجبة على الصحيح وليست واجبة على المريض وشك في أنه صحيح أو مريض، فيشك في وجوب السورة عليه، وهذه شبهة موضوعية يدور أمر الواجب فيها بين الأقل والأكثر، فلا فرق بين القسمين في إمكان تصور الدوران بين الأقل والأكثر الارتباطيين مع كون الشبهة موضوعية.

وعلى كل حال فالكلام في المقام هو الكلام في دوران الأمر بين الأقل والأكثر مع كون الشبهة حكمية، من حيث جريان البراءة أو عدمه، أو التفصيل بين البراءة الشرعية والبراءة العقلية الذي ذهب إليه جماعة، وحيث أنَّ الصحيح هو جريان البراءة لنفي وجوب الأكثر هناك فكذلك في المقام تجري البراءة لنفي وجوب الأكثر.

هذا مع ملاحظة إنَّ الشك في المقام إذا رجع الى الشك في امتثال التكليف بمفهوم مبيَّن فلا بد من الاحتياط لقاعدة الاشتغال، نظير مثال صيام شهر مردد بين الأقل والأكثر، وأما إذا لم يرجع الى الشك في الامتثال وإنما رجع الى الشك في حدود التكليف فيكون من الشك في التكليف وهو مجرى للبراءة.

هذا تمام الكلام في دوران الأمر بين الأقل والأكثر في الشبهات الموضوعية.

دوران الأمر بين الأقل والأكثر في المُحصِّل

وذلك كما إذا فرضنا أنَّ المأمور به كان معلوماً بجميع الخصوصيات الدخيلة فيه وإنما يُشك في ما يُحصله خارجاً فهل هو الأقل أم الأكثر، وهو المعبر عنه بالشك في المُحصِّل.

لا إشكال في أنَّ الأصل الجاري هو الاشتغال إذا كان الشك في المُحصِّل العرفي أو العقلي، والسر فيه هو أنَّ التكليف الشرعي يتعلق بالمسبَّب فإذا شك فيما يُحصِّله فالمورد مورد للاشتغال ولا بد من الاحتياط ولا يجوز الاقتصار على الأقل، ومثلوا له بالأمر بالقتل والشك في حصوله بضربة أو ضربتين فيجب عليه الاتيان بالأكثر.

وأما إذا كان المحصِّل أمراً شرعياً فهو محل الخلاف فهل تجري فيه البراءة أو الاشتغال أو يقال بالتفصيل؟

والمراد بالمحصِّل الشرعي هو ما إذا كان المسبَّب أمراً مجعولاً من قبل الشارع من قبيل الطهارة المعتبرة في الصلاة، فلابد أن يكون المُحصِّل لها أمراً شرعياً أيضاً.

logo