« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ هادي آل راضي
بحث الأصول

46/06/19

بسم الله الرحمن الرحيم

دوران الأمر بين الأقل التعيين والتخيير/ أصالة الاحتياط / الأصول العملية

الموضوع: الأصول العملية/ أصالة الاحتياط / دوران الأمر بين الأقل التعيين والتخيير

 

كان الكلام في الوجه الأول من الوجوه المذكورة في حقيقة الوجوب التخييري لبيان جريان البراءة أو عدم جريانها، ومرجع هذا الوجه الى وجوب كل واحد من الأمرين بشرط ترك الآخر، فوجوب العتق مقيد بترك الاطعام ووجوب الاطعام مقيد بترك العتق، وبناءً عليه قالوا يمكن إثبات التخيير ونفي التعيين وذلك باعتبار أنَّ المكلف يشك في وجوب العتق عند الاتيان بالإطعام وأما وجوبه عند ترك الاطعام فلا شك فيه سواءً كان واجباً تعيينياً أو تخييرياً، وهذا شك في التكليف فتجري البراءة فيه لنفيه، وهذا يعني أنَّ العتق واجب تخييري.

ونوقش فيه بمناقشات:

الأولى: إنَّ المقام من موارد الاشتغال لا البراءة وهو يقتضي التعيين، وذلك باعتبار أنَّ الشك في المقام يرجع الى الشك في سقوط ما عُلم تعلق التكليف به بفعل ما يُحتمل كونه بدلاً، والأصل الجاري فيه هو الاشتغال.

وبعبارة أخرى إنَّ الشك في المقام هو الشك في حصول الامتثال بعد العلم بثبوت التكليف، فهو يعلم أنه مكلف بالعتق على كل حال وإنما يشك في أنَّ هذا التكليف هل يسقط بالإطعام أو لا، وهذا الشك ينشأ من أنَّ العتق إن كان واجباً تعيينياً فلا يسقط إذا جاء بالإطعام وإن كان واجباً تخييرياً فيسقط إذا جاء بالاطعام، وهذا الشك في سقوط التكليف وهو مجرى للاشتغال لا للبراءة.

وببيان آخر: الاتيان بالعتق مفرغ للذمة قطعاً عما اشتغلت به يقيناً، وأما الاطعام فلا يُعلم سقوط التكليف المعلوم به فتجري قاعدة الاشتغال.

وفيه: لا أشكال في كون العتق مفرغ للذمة جزماً ويُقطع مع الاتيان به بفراغ الذمة بخلاف الاطعام هذا صحيح، إلا أنَّ هذا المقدار وحده ليس هو المناط لكون المورد مورداً لقاعدة الاشتغال، ولو كان هو ذلك المناط فهو موجود حتى في الشبهات البدوية فإذا شك المكلف في وجوب الدعاء عند رؤية الهلال فلا إشكال في القطع بفراغ الذمة عند الاتيان بالدعاء وإذا تركه فيحتمل اشتغال الذمة به، فهل يقال بالاشتغال! والحال أنه لا إشكال في أنَّ المورد مورد للبراءة، وهذا يعني أنَّ المناط ليس ما ذكره بل المعتبر في جريان الاشتغال اليقين باشتغال الذمة بالتكليف والشك في سقوطه، وفي محل الكلام لا علم باشتغال الذمة بالعتق على كل تقدير – أي سواءً أطعم أو لم يطعم - وإنما يشك في ذلك، فلا مورد لحكم العقل بالاشتغال، نعم نحن نعلم باشتغال الذمة بالعتق في حالة ترك الاطعام لكن هذا لا يثبت به إلا التخيير.

وبعبارة أخرى إن فرضنا العلم بوجوب العتق مطلقاً فهذا خروج عن محل الكلام - وهو الترديد بين التعيين والتخيير - لأنَّ هذا هو فرض العلم بالتعيين، وإن فرضنا العلم بوجوبه على تقدير عدم الاطعام لا مطلقاً فهذا معناه التخيير، فلا يثبت التعيين.

المناقشة الثانية: وهي ما ذكره المحقق النائيني أيضاً، وحاصلها إنَّ صفة التعيينية للتكليف وإن اشتملت على كلفة زائدة إلا أنَّ مجرد ذلك لا يكفي لإجراء البراءة بل لا بد مع ذلك من أن يكون المشكوك فيه أمراً وجودياً مجعولاً تناله يد الوضع والرفع التشريعي ولو بتبع خطاب آخر، كما لا بد أن يكون في رفعه منة وتوسعة على العباد.

فالمعتبر في جريان البراءة على رأي المحقق النائيني أن تكون الكلفة والضيق الذي يُراد رفعه بالبراءة حاصلة من جهة جعل التكليف وتشريعه بحيث يكون الجعل متضمناً لكيفية خاصة توجب الضيق، ومن هنا يظهر أنه لا مجال لجريان البراءة في محل الكلام لأنَّ صفة التعيينية المراد نفيها بالبراءة ليست من الأمور الوجودية المجعولة شرعاً حتى بالبتع بل هي عبارة عن عدم جعل العِدل والبدل، لأنَّ نحو تعلق التكليف لا يختلف تعييناً أو تخييرياً فالتكليف المتعلق بالعتق لا يختلف باختلاف كونه تعيينياً أو تخييرياً وإنما الاختلاف ينشأ من جهة وجوب العِدل أو عدم وجوبه فإن تعلق الوجوب بشيء آخر يكون عدلاً للعتق فالتكليف بالعتق يكون تخييرياً وإلا كان وجوبه تعييناً، وعليه تجري فيه البراءة.

ويلاحظ عليه: إنَّ ما ذكره على تقدير تسليمه فهو يتم في البراءة الشرعية ولا يتم في البراءة العقلية التي يكفي في جريانها أن يكون المشكوك على تقدير ثبوته موجباً لاستحقاق العقاب بلا فرق بين أن يكون وضعه ورفعه بيد الشارع أو لا يكون كذلك، كما لا فرق بين أن يكون أمراً وجودياً أو عدمياً، بل المهم هو ترتب العقاب على تركه على تقدير ثبوته فتجري البراءة فيه للتأمين من ناحيته، وفي محل الكلام احتمال التعيينية يعني احتمال العقاب وهو كافٍ في جريان البراءة العقلية.

المناقشة الثالثة: ما نسبه السيد الخوئي الى بعضهم، وحاصله هو التمسك بأصالة عدم وجوب ما يحتمل كونه عدلاً فيثبت التعيين، ففي محل الكلام تجري أصالة عدم وجوب الاطعام ويثبت وجوب العتق.

وكأنه يقول إننا نعلم بوجوب العتق في الجملة ونشك في وجوب الاطعام كعِدل له فتجري فيه البراءة وبضمها الى العلم بوجوب العتق في الجملة يثبت الوجوب التعييني للعتق.

logo