« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ هادي آل راضي
بحث الأصول

46/06/15

بسم الله الرحمن الرحيم

دوران الأمر بين التعيين والتخيير/ أصالة الاحتياط /الأصول العملية

الموضوع: الأصول العملية/ أصالة الاحتياط / دوران الأمر بين التعيين والتخيير

 

كان الكلام في دوران الأمر بين التعيين والتخيير، والمقصود به جريان البراءة لنفي التعيين وأما التخيير فهو توسعة لا تجري فيها البراءة، وانتهى الكلام الى ما ذكره المحقق النائيني في وجه في عدم جريان البراءة، وحاصله:

إنَّ الجنس لا تَحصُّل له في الخارج إلا في ضمن فصل فلا يعقل التكليف به إلا في ضمن فصل، وحينئذٍ يكون الشك في أنَّ الفصل الذي لا بد أن يتميز به الجنس هل هو هذا الفصل الخاص أو أي فصل من فصول ذلك الجنس، وعليه يكون المقام من دوران الأمر بين التعيين والتخيير لا من دوران الأمر بين الأقل والأكثر حتى تجري البراءة لنفي وجوب الأكثر، لأنه لا معنى لأن يقال إنَّ تعلق التكليف بالجنس متيقن والشك في تقيُّده بفصل، بل الصحيح أن يقال إنَّ تقيُّد الجنس بالفصل متيقن وإنما الشك في تقيُّده بفصل معين أو بفصل من فصوله يكون المكلف مخيراً بينها؟

والوجه في ذلك هو عدم معقولية تعلق التكليف بالجنس إلا في ضمن فصل، والعقل يحكم هنا بالتعيين تحصيلاً لفراغ الذمة ولا مجال للرجوع الى البراءة لنفي وجوب التعيين.

والذي يمكن أن يقال في المقام هو إنَّ الجنس والنوع متغايران باللحاظ، لأنَّ الجنس محفوظ في النوع والتغاير بينهما بالإجمال والتفصيل، بمعنى أنَّ الجنس والنوع إذا لُحظا بما لهما من حد الاجمال والتفصيل فهما متباينان فلا يكونا من الأقل والأكثر لتجري فيهما البراءة، فإذا كان الجنس هو الاكرام والنوع هو الاطعام فبحسب اللحاظ التفصيلي هما متباينان ولا قدر متيقن بينهما وهذا يعني عدم الانحلال الحقيقي.

ولكن يمكن أن يدعى الانحلال الحكمي وجريان البراءة لنفي الوجوب التعييني للإطعام، ولا تُعارَض بالبراءة لنفي الوجوب التخييري للإكرام، وذلك بأن يقال كما نشك في وجوب الاطعام تعييناً كذلك نشك في وجوب الاطعام تخييراً فتجري البراءة لنفي الوجوب التخييري للإطعام وتعارِض البراءة الجارية لنفي الوجوب التعييني للإطعام.

والجواب إنَّ البراءة لا تجري لنفي الوجوب التخييري فتجري البراءة في الطرف الآخر بلا معارض ويثبت الانحلال الحكمي الذي يعني سقوط العلم الإجمالي عن التنجيز حكماً، وإنما لا تجري البراءة لنفي الوجوب التخييري للإطعام لعدم ترتب أثر عليها، وذلك لأنَّ المقصود من اجرائها إن كان هو التأمين وإثبات قبح العقاب في حالة ترك الاكرام مع الاتيان بالإطعام فهو غير معقول لأنَّ نفي الأعم يستلزم نفي الأخص، وإن كان المقصود من إجرائها هو إثبات التأمين في حالة ترك الاكرام والاطعام فهو غير معقول أيضاً لأنه يساوق المخالفة القطعية، والبراءة لا تجري من ناحية المخالفة القطعية، ولذا إجراء البراءة لنفي الوجوب التخييري للإكرام لا أثر له فلا تجري وتجري البراءة لنفي الوجوب التعييني للإطعام بلا معارض وبهذا ينحل العلم الإجمالي حكماً.

نعم الانحلال الحكمي يتوقف على القول بالاقتضاء وأما على مسلك العلية التامة فلا تجري البراءة في الاطعام ولا يتم ما ذُكر من الانحلال الحكمي كما لم يتم الانحلال الحقيقي فيتعين الاتيان بالتعيين وتجري أصالة الاشتغال.

هذا كله في دوران الأمر بين التعيين والتخيير العقلي.

دوران الأمر بين التعيين والتخيير الشرعي:

ذكر المحقق النائيني أنَّ أقسام دوران الأمر بين التعيين والتخيير ثلاثة، ثم بيَّن محل الكلام من بينها، وهي:

الأول: دوران الأمر بينهما في مرحلة الجعل في الأحكام الواقعية، كما إذا شككنا في صلاة الجمعة في زمان الغيبة وهل هي واجب تعييني أو واجب تخييري بينها وبين الظهر.

الثاني: الدوران بينهما في مرحلة الجعل ولكن بلحاظ الأحكام الظاهرية، كما إذا شككنا في أنَّ تقليد الأعلم واجب تعييني أو واجب تخييري، والدوران هنا بلحاظ الحجية وهي حكم ظاهري.

الثالث: الدوران بينهما في مقام الامتثال، ومثاله التزاحم فإنَّ التردد فيه في عالم الامتثال لا في عالم الجعل، كما لو ابتلي المكلف بغريقين ولا يقدر إلا على انقاذ أحدهما، وكان أحدهما محتمل الأهمية، فيدور الأمر بين انقاذ محتمل الأهمية تعييناً أو إنقاذه تخييراً، وهو من دوران في مقام الامتثال وأما الجعل فمقطوع به في هذا القسم.

ومحل الكلام هو خصوص القسم الأول، وأما القسم الثاني والثالث فالظاهر اتفاقهم على التعيين فيهما.

وفي القسم الأول نعلم بتعلق التكليف بشيء كصلاة الجمعة مع الجهل بأنَّ الوجوب على نحو التعيين أو التخيير بينه وبين صلاة الظهر، ومن هنا يظهر الفرق بين محل الكلام وبين دوران الأمر بين الأقل والأكثر في المسألتين السابقتين – أي في بابي الأجزاء والشرائط – حيث فُرض الشك هناك في نفس الواجب وأنه الأقل أو الأكثر، كالرقبة أو الرقبة المؤمنة، وأما في محل الكلام فلا شك في الواجب وإنما الشك في الوجوب فلا نعلم هل هو وجوب تعييني أو هو وجوب تخييري.

logo