46/06/13
دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين/ أصالة الاحتياط / الأصول العملية
الموضوع: الأصول العملية/ أصالة الاحتياط / دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين
الملاحظة على تفصيل المحقق العراقي:
ويلاحظ عليه بأنَّ هذا التفصيل لا مجال له بناءً على ما هو الصحيح من انحلال العلم الإجمالي بلحاظ التكليف وما تشتغل به الذمة الى علم تفصيلي بالأقل وشك بدوي في وجوب الزائد، فإذا لاحظنا ذات التكليف دون حدوده فهو دائر بين الأقل والأكثر ويكون الزائد مشكوكاً بالشك البدوي من دون فرق بين القسمين، لأنه في كل منهما يكون ذات الطبيعي معلوم الوجوب ويُشك في وجوب تقيُّده بالإيمان في القسم الأول وبالهاشمية في القسم الثاني فتجري البراءة لنفيه.
نعم إذا لم نقل بالانحلال كما إذا أخذنا حدود التكليف بنظر الاعتبار فالأمر يدور بين المتباينين، ولكن بلحاظ التطبيق والامتثال نقول بالانحلال وذلك لأنَّ المكلف في مقام الامتثال خارجاً لا بد أن يأتي بالأجزاء التسعة ويشك في وجوب الاتيان بالجزء العاشر فيكون الأمر دائراً بين الأقل والأكثر، فيمكن أن يقال بالتفصيل الذي ذكره المحقق العراقي لأنه في القسم الأول وفي عالم التطبيق توجد رقبة يعلم المكلف بوجوب عتقها قطعاً، ويشك في وجوب ضم الايمان إليها وعدمه، فتجري البراءة لنفي هذا الوجوب الزائد، بخلاف القسم الثاني فلا يوجد في الخارج فرد من أفراد الطبيعي يُعلم بوجوب اطعامه قطعاً ويُشك في وجوب ضم شيء إليه، بل الأمر مردد بين اطعام غير الهاشمي وبين اطعام الهاشمي، وكل منهما مشكوك الوجوب فيدور الأمر بين المتباينين، وهو يعني عدم تحقق الانحلال فلا تجري البراءة.
لكنك عرفت فيما تقدم بأنَّ الصحيح أنه في مقام التنجيز والتعذير لا بد من ملاحظة ذات التكليف دون حدوده لعدم اشتغال الذمة بها، فحتى إذا سلمنا دوران الأمر في القسم الثاني بين المتباينين بلحاظ عالم الامتثال والتطبيق فإنَّ الأمر ليس كذلك في عالم العهدة والتكليف واشتغال الذمة بل الأمر يدور بين الأقل والأكثر.
اشكال المحقق الخراساني:
ثم إنَّ المحقق الخراساني استشكل في جريان البراءة في المقام وإن قلنا في جريانها في باب الأجزاء، وذلك باعتبار أنَّ جريان البراءة في باب الأجزاء كان مبنياً على انحلال العلم الإجمالي بالعلم التفصيلي بوجوب الأقل والشك البدوي في وجوب الزائد، والمقام ليس من هذا القبيل لأنَّ الطبيعي متحد مع الفرد بل هو عينه خارجاً لأنَّ وجود الطبيعي هو عين وجود فرده، من دون فرق بين أن يكون الفرد هو الواجد للقيد أو هو الفاقد له، وهذان الفردان متباينان والاتيان بالفاقد للقيد على تقدير أن يكون الواجب هو المقيد إتيانٌ بما هو مباين للواجب، وليس بينهما قدر مشترك لينحل به العلم الإجمالي الى علم تفصيلي وشك في الزائد بل الأمر يدور بين ماهيتين متباينتين فلا تجري البراءة.
ثم يقول: وهذا خلاف المسألة السابقة – أي باب الأجزاء – فإنَّ الصلاة مع السورة ليست مباينة للصلاة بدون سورة لوجود قدر مشترك بينهما وهو الأقل.
واعترض عليه السيد الخوئي باعتراضين:
الأول: إنَّ الملاك في الانحلال هو جريان البراءة في بعض الاطراف بلا معارض، والمقام من هذا القبيل لجريان البراءة في أحد الطرفين بلا معارض، وذلك باعتبار إنَّ تعلق التكليف بطبيعي الرقبة المرددة بين الاطلاق والتقييد معلوم وانما الشك في خصوصية الاطلاق والاشتراط، وحيث أنَّ أصالة البراءة لا تجري في الاطلاق لأنه توسعة على المكلف وليس ضيقاً وكلفة فتجري البراءة في التقييد بلا معارض وينحل العلم الإجمالي حكماً.
وفيه: إنَّ النوبة لا تصل الى الانحلال الحكمي لما عرفت من الانحلال الحقيقي للعلم الإجمالي بالعلم التفصيلي بوجوب ذات المقيد والشك في وجوب تقيُّده بالإيمان فتجري البراءة لنفي الزائد، وكذا الكلام في المثال الثاني فالعلم الإجمالي منحل بالعلم التفصيلي بوجوب اطعام الفقير والشك في تقيُّده بالهاشمية فتجري البراءة لنفي الزائد.
الثاني: إنَّ الاشكال المذكور لو تم ومنع من جريان البراءة في المقام لجرى عند الشك في الجزئية أيضاً، فلا بد من منع جريان البراءة في كل منهما، وتوضيحه:
إنَّ كل جزء من الأجزاء له اعتباران: الأول اعتبار كونه جزء الواجب بمعنى أنَّ الوجوب المتعلق بالمركب يتعلق به ضمناً، والثاني اعتبار الشرطية بمعنى أنَّ سائر الأجزاء مقيدة به، فالسورة مثلاً على تقدير أن تكون جزءاً هي شرط بلحاظ سائر الأجزاء أيضاً، فالركوع حتى يكون جزءاً مشروط بأن تقع السورة قبله، والتكبير حتى يكون جزءاً مشروط بأن تقع السورة بعده.. وهكذا كل جزء من الأجزاء مشروط بأن يقع في محله بلحاظ الأجزاء الأخرى سابقة ولاحقة، وإذا لم تكن السورة جزءاً فهي ليست شرطاً.